ومِنْ ذلك أنَّ ما عوَّلَ عليه من مصادرَ لم تكنْ غايتُه من الأخذِ عنها واحدةً؛ إذْ لم يكنْ يرمي مِن ورائِها جميعًا إلى إثراءِ شَرْحِهِ، وإيضاحِ كلام النَّاظم بما فيها من مادَّةٍ تعينُه على ما أرادَ، بل لكُلٍّ منها منزلتُه، فالمطوَّل وخزانةُ ابن حِجَّة لَقيَا منه قبولًا ورِضًا، يُسلِّمُ غالبًا بما فيهما ولا يتعرَّضُ لهما بِرَدٍّ أو استدراك، فكانا حُجَّتَه في جُلِّ ما نقلَ عنهما، وأمَّا شرحُ معاصرِه الحمويّ فإنَّه لا ينقلُ عنه غالبًا إلَّا في مواضعِ الرَّدِّ عليه.
ومنها أنَّه - على أمانتِه وتوخِّيه الدِّقَّة فيما نقلَه مُصرِّحًا - عَمَدَ إلى بعضِ المسالك الغريبة في أَخذِه عن المصادر:
فهو يسوقُ كلامًا ينصُّ في آخرِه على أنَّه منقولٌ عن كتابٍ مّا، فيظنُّ القارئُ أنَّ آخرَ المنقولِ ههنا، لكنّه يعجَبُ بعد الرُّجوع إلى مَصدرِه المذكور حينَ يجدُ الكلامَ الآتيَ بعد ذلك هو مِن تمام ما تقدَّمَه، نقلَه الشَّارحُ عن المصدرِ نفسِه، وساقَه على أنَّه من كلامِه هو، وأمثلةُ هذا كثيرةٌ، تكادُ تكونُ مستفيضةً.
وقريبٌ مِن هذا المسلَكِ ما ينقلُه عن المطوَّل، أو المختصَر، أو خزانة ابن حِجّة، فيقول: «وقال في المختصر»، و«وذُكِرَ في المطوَّل»، وغير ذلك، والكلامُ قبلَه هو لصاحب المطوّل أيضًا، ولا يدري القارئُ أنَّه له إلَّا بعدَ الرُّجوعِ إلى كتابِه المذكور.
ومِن مواطنِ الإبهامِ في بعضِ ما نقلَه ما نقفُ عليه عندَ قولِه: «هكذا ذُكِرَ في المطوَّل»، أو: «كما أشارَ إليه السَّيِّدُ في حاشية المطوَّل»، أو «فالشَّاهدُ كما أشارَ إليهِ التَّفتازانيّ»، أو «وَجهُهُ ما ذَكَرَهُ الشَّريفُ»، فلا ندري أين هو مَبدأُ كلامِه إلَّا بمُعاودة الكتاب المذكور.
وثمَّةَ صورةٌ خفيّة لهذا الإبهام نقفُ عليها بعدَ المقارَنة، وشيءٍ من التَّأمُّل، فالعمريُّ في أثناءِ ما كانَ ينقلُه عن صاحبِ المطوَّل - من غيرِ عَزْوٍ
1 / 53