87

دموع البلياتشو

دموع البلياتشو: مجموعة قصصية تنشر لأول مرة

ژانرها

سمعت من الإشاعات أنه رجع للبلد فجأة من البندر، ووقف أمام أبيه كالجدي النافر الشرس وقال: لا أريد أن أكمل تعليمي! أنا لا أصلح للوعظ، ولا يصلح لي. سأله الجبار: فماذا تريد أن تكون يا فالح؟

قاطعتها به بسرعة: الجبار؟

قالت أسرع منه كأنها تقبض على صورة أو عبارة هاربة: نعم، جدك، كان الجميع يسمونه الجبار.

رجعت إلى سؤالك: أكملي، أكملي، وماذا قاله له؟

قالت ضاحكة: رد عليه وهو يتأهب لصفعة أو ركلة: أن أكون بلياتشو! زأر الجبار كأسد يستعد للوثوب على المدرب الذي لسعه بالسوط: إذن فتوكل على الله واخرج من بيتي، لست ابني ولا أعرفك حتى تتوب عما في دماغك. قلت لتخفف عنها عبء الكلام الذي كاد أن يتحول إلى أنين:

وتصادف وجود السيرك في البلد في تلك الأيام، وانضم إليه وألبسوه ثياب البلياتشو، وراح يقدم عروضا، ثم بحثوا عنه يوما فلم يجدوه، كان قد هرب مع الغازية وضاع في بلاد الله.

أغمضت عينيها وأطرقت برأسها وتمتمت مستغفرة داعية قبل أن تقول: العلم عند الله يا ولدي، كان هذا قبل أن نتزوج ويرضى الله عليه وعلي. مددت ذراعك وأخذت تداعب خدها وتربت على رأسها: وكنت حبه الأول والأخير. اطمئني فلن أسألك، لم يكن هو وحده الكتوم كما تقولين. ولما لم تجد منها رغبة ولا قدرة على الكلام، ولما تجلى وجهها أمامك كأنه شمس أشرقت فجأة بنور ربها وبالنور الطالع منها، رحت تتدفق بالثرثرة كالتلميذ الذي يسمع درسا أمام معلم صبور وعطوف .

ورجع إلى البلد خائب الأمل دون أن يدري أحد ودون أن يفكر في أن يطرق باب البيت، أخذ يتجول مع بعض أصحابه في العزب والكفور لإحياء الأفراح وحفلات الميلاد والطهور بتقديم العروض الصغيرة المضحكة، وبعد شهور أو سنوات جاءت الإشاعة بأن المباحث تفتش عنه في كل مكان، ثم جاء المرسال إلى بيت أبيه بأن يحضر للنقطة للتعرف عليه وسؤاله عنه قبل ترحيله للمديرية، وزاد غضب الجبار وارتفع زئيره وأنكر أن له ابنا بهذا الاسم، وبعد ذلك ...

قالت أمه بعد أن استردت أنفاسها ومرت السحب التي غطت وجهها أثناء كلامك: زمان وراح يا ولدي، زمان الله لا يرجعه، من يوم أن أغلق الباب علينا وعشنا تحت سقف واحد لم يذكر اسم الإخوان ولا الشيوعيين.

سألت نفسك ذاهلا: الإخوان والشيوعيين؟ هذا شيء لم أسمع عنه من قبل، كل ما لملمته من أخباره أن عم عبد الفضيل زاره في السجن الذي لم يبق فيه سوى شهرين، ثم أفرج عنه بحجة اختلال عقله، أو ربما لعدم ثبوت أي تهمة عليه، وسمعت أمك تقول وهي تثبت عينيها في وجهك: كانت نزوة شباب وراحت، كالغازية الله يسامحها قبل زواجنا، ورجع لعمله وقراءاته.

صفحه نامشخص