دولت عثمانی قبل و بعد از قانون اساسی
الدولة العثمانية قبل الدستور وبعده
ژانرها
حتى يعاود ورده المعهودا
والطير مهما فارقت وكناتها
تطوي لرؤيتها الفلا والبيدا
شهدت كثيرين من المهاجرين اللبنانيين القافلين إلى الأوطان منذ خمس وعشرين سنة، وشهدتهم في دار اغترابهم منذ خمس عشرة سنة، وشهدتهم في هذه الأيام وشتان بين الحنين إلى الأوطان في أفئدة هؤلاء وأولئك. كنت إذا رأيتهم مقبلين رأيتهم متهللين بشرا ومعهم كل ما ادخروا في دار هجرتهم، يحملونه إلى مسقط رأسهم، وهم يقولون: حمدا لك اللهم، فقد أذنت أن تضم رفاتنا إلى رفاة آبائنا. وكنت إذا سألتهم رأيهم في التجنس بجنسية البلاد التي ارتادوها قالوا: معاذ الله أن نكون فكرنا يوما بارتداء حلة غير حلة قومنا وعشيرتنا، ولكن الإقامة في ديار الحرية زادت نفوسهم إباء. وازدياد المظالم في الثغور زادهم نفورا واشمئزازا، وسريان العدوى في اختلال الأحكام من الولايات إلى لبنان أورثهم خيبة في تلك الآمال التي رحلوا بها؛ فضعفت فيهم عاطفة التفاني بحب الوطن، وباتوا يطلبون الحرية؛ حيث كانت ومالوا إلى الاندماج في سلك الأمم التي أنالتهم من حريتها ومالها ذخرا ثمينا.
وكأني بحقي بك ناظر المعارف الحالي يذكر يوم كنا معا بأميركا منذ خمسة عشر عاما والجالية السورية فيها تعد بالألوف ومعظمهم من اللبنانيين، والمتجنسون منهم بالجنسية الأمركية قليلون جدا، ولكن الميل إلى التجنس آخذ في الانتشار بينهم وأظنه يذكر أيضا ما لقيت من العناء بصرف كثيرين منهم عن ذلك الميل معظما ما كان لدي من الأمل الضعيف بالإصلاح الذي تيسر - والحمد لله - فوق ما كنت أرجو ويرجو الجميع. ومع هذا فإن بقايا تلك العاطفة لبثت تختلج في صدورهم إلى ما قبل هذه السنين الخمس الأخيرة؛ إذ استولى السأم على جميع نفوس المهاجرين فقنطوا من الإصلاح، وباتوا يوم هجر بلادهم يفكرون في هجر جنسيتهم، فعاد الشر شرين والخسارة خسارتين، ولو تأخر إعلان الدستور عشر سنين لأصبح معظم اللبنانيين - من نصارى ومسلمين - أوروبيين وأمركيين نزعة وتبعة.
وانظر حينئذ - فوق خسارة البلاد - إلى المشاكل السياسية التي رأينا منها شيئا كثيرا بالقسر عن المعاهدات التي تقضي باعتبار جميع العثمانيين المولودين في البلاد العثمانية بحال عودتهم إليها عثمانيين كسائر المقيمين فيها مهما طالت مدة اغترابهم، ومهما اكتسبوا من الحمايات والتابعيات الأجنبية.
هذا جل ما يقال عن الجالية اللبنانية، وهي - كما رأيت - مع بعض مضارها الماضية وكثرة شرورها على البلاد والدولة في مستقبل الزمن لم تخل من الفوائد التي أنتجت الرخاء في جزء من السلطنة فهي فريدة في بابها بهذا المعنى، وهي الجالية الوحيدة التي لم يسقها إلى الاغتراب مجرد الاستبداد.
فأجل الآن نظرك في المهاجرة من سائر أجزاء السلطنة، فلا ترى حيث توجهت إلا نكبة صماء منيت بها البلاد، ومحنة لا يقل بلاؤها عن مجازر الحروب ومجارف الأوبئة القتالة.
سرت العدوى في سوريا من الجبال إلى العواصم والثغور - كما أسلفنا - ولكن بجرثومة غير تلك الجرثومة، وشكل غير ذلك الشكل.
ولسنا بباحثين في المهاجرين السوريين من نفس الطبقة المتعلمة المهاجرة من لبنان، ولكن بحثنا الآن في طبقتين أخريين لا قوام لملك إذا ضعفا فيه ونعني: أرباب المال والعمل.
صفحه نامشخص