وقال عبد الوهاب : ( فإن قال قائل في قوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) لفظة ( من ) من أدوات الشرط ، فوجب أن تقول لجميع المجازين . قيل : هذا لا يسلم لهم ، لأن لفظة ( من ) وإن وردت مورد الشرط فلا تكون مستغرقة لجميع ما وردت فيه ، لأن الشاعر قال :
ومن لا يذد عن حوضه بسلاحه يهدم= ومن لا يظلم الناس يظلم
وليس كل من لا يظلم الناس يظلم ، وهذا موجود كثير )
الجواب :
قوله : ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) أن لفظة ( من ) غير مستغرقة للجنس واستدل بقول الشاعر ، أما هذه فله فيها أعظم الحجة ، لأن هذا الشاعر أصدق القائلين مثل رب العالمين ، تعالى الله عما يتوهم الجاهلون ، وقد استدل بقول من يجوز عليه الكذب ، وما استدل بقول أصدق القائلين ، قول الله - عز وجل - : ( إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ) يدخلها المشركين ، ليس كل مشرك تحرم عليه الجنة ( * ) .
وإنما يؤخذ عن العرب من أقوالها صور الأسماء ، وتصاريف الأفعال ، وصيغ الحروف ، بشرط أن يجيء على مفهوم كلام العرب ، وأما ما وراء ذلك من الأخبار ، فخبرهم غير مقبول ، وخروجهم عن المعقول فذلك غير مجهول ، ولا يناظرهم بهم الصادق الأزلي الحكيم العلي .
وكذلك قوله : ( ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا ندخله جنات تجري من تحتها الأنهار ) ( ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا نكفر عنه سيئاته ) ، وفي أمثالها .
قال عبد الوهاب : ( سؤال ثان في اختلافهم في رؤية الباري سبحانه في المعاد : ذهبت الأشعرية إلى أن الله تعالى مرئي في الآخرة بدليل الوجود ، وأن كل شيء موجود جائز أن يرى ، فلا يمنع ذلك مانع ، إذا كان ذلك ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي من جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام ، تعالى عن ذلك ) .
الجواب :
صفحه ۷۳