قوله : ( إن الله تعالى مرئي لأنه موجود ، وأن كل موجود مرئي ) فهذا ينتقض عليهم بسائر الأعراض أنها غير مرئية على أنها موجودة ، ولاسيما من لا يوصف باللون ، فإن الأبصار لا ترى إلا الملونات .
وقول الأشعري : ( إنه مرئي في الآخرة ، بدليل الوجود ) وكذلك مرئي في الدنيا بدليل الوجود ولا
يقولونه ، وأخرى : أن هذه الدعوى تنتقض عليهم باللمس ، ولو أدعى أنهم يلمسون إلههم ويذوقونه ويطعمونه ويشمونه ويصافحونه بدليل الوجود لكان أشبه ، تعالى الله عن ذلك .
واعلم أن الوجود ليس بصفة ، ولا يقتضي حكما ، ولا يوجب علة ، إنما هو إثبات ، فلو استدل مستدل على أن كل المتضادات بأي صفة أراد ، واعتل بالوجود لصح له اعتلاله .
وأما قوله : ( ولا يمنع من ذلك مانع ) . فإن أول مانع عقله ، إن أنصف نفسه ، ومن وافقه على ذلك ، حتى يجعله حجة بينه وبين خصمه .
ثم عقب فقال : ( ولا يمنع من ذلك مانع ، إذا كان ليس يرى بجنسه ولا في مكان ولا حد ولا صورة ولا شكل ، لأن الله تعالى لا يوصف بالأماكن ولا الحدود ولا المقابلة ، ولا تجوز عليه المعاينة التي هي جنس المقابلة ، إذ لا تقابله الأجسام تعالى عن ذلك ) .
فإن كان هذا من كلام الأشعري فقد أبطل الرؤية بهذه المعاني التي نفاها عن الرب سبحانه ، إذ لا تثبت الرؤية إلا مع هذه المعاني .
وإن كان من كلام خصمه ، فبذلك أبطل عن الإله الرؤية ، إذ لا يوصف بشيء من هذه الصفات التي نفاها عن الله سبحانه وتعالى .
وقال عبد الوهاب : ( فإن قيل ما استدللتم به من أن كل موجود يصح أن يرى منتقض بالادراكات لأنها موجودة ولا تصح رؤيتها فبطل ما قلتموه ) .
قيل له : قال الأشعري : ( جائز أن يرى إدراكنا بإدراك يخلق لنا في غير محل ، فندرك إدراكنا به ) .
الجواب :
صفحه ۷۴