وقد تقدم القول في الوعد والوعيد في أن كل واحد منهما مخصوص في ذاته بفنون المشيئة ، والوعيد مخصوص بالسلامة من الموبقات ، وإما إذا كانت فلا .
قال عبد الوهاب : ( فإن قال الأشعري : جميع ما استدللتم به فهو منتقض ، وما استدللتم به من العمومات فنعارضها بمثلها ، إذا سلمنا القول بالعموم ،كيف والقول بالعموم عندنا باطل ؟ إن العموم لا صيغة له عندنا ، وقد قال الله - عز وجل - : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) وهذا نص في موضع النزاع ) .
الجواب :
فجواب الأشعري : إن كل ما ادعيتم بمنتقض وأما معارضة العمومات بمثلها فلن يخفى على أحد قالوا ، ولن تنفعهم ولن تضرنا .
والأصل الذي اجتمعت عليه الأمة أن نجعل عام لكل عام ونقيضه نصيبا ، وأما إثباتها أو بطلانها فمحال ، فإن كان القول بالعموم باطلا ، فما حصل في يده شيء إلا الباطل ، وإن مال إلى الخصوص قابله خصوص مثله ، فالتوبة تحبط الشرك وجميع المعاصي ، وكذلك قوله : ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) وقوله : ( ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) .
فإن قال قائل : هذا لمن تاب . وقلنا هذا لمن أصر . فإن ادعى المشيئة في الذنوب ادعينا التوبة فيها .
وقوله : ( خروج عن الظاهر بلا دليل خطأ ، وتعليق التوبة بالآية لم يوجد لا ظاهرا ولا مضمرا ) .
قلنا : بل وجدت ظاهرا ومضمرا . أما الظاهر فقوله تعالى : ( وإني لغفار لمن تاب ) الآية .
والمضمر : أن التوبة حتم في إزاحة المعاصي وبطلان العقاب عن العاصي ، ولا توبة ولا رجوع يدل على إباحتها ، وليس لمغفرة المعاصي بالمشيئة لا بالتوبة طائل أشبه شيء بالإباحة .
وأما قوله : ( قبول التوبة حتم ) . فينتقض عليه بقوله : ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات ) إلى قوله : ( الآن ) . ولو شاء لم يجعل للتوبة مخرجا وقال : من عصاني فلا أقبل له توبة . وكان جائزا .
صفحه ۷۲