فإن قال قائل : فما الوجه الرابع ؟
قلنا - وبالله التوفيق : إن صفات الباري سبحانه ليس هناك معنى غيره ، أو شيء يلازمه أو يفارقه .
فقولنا : الله تعالى موجود إثباته ، ليس هناك وجود غيره يخالفه أو يوافقه .
وقولنا : الله حي ، إخبار عن الذات أنها ليست بميتة ، وله التصرف في الغير .
وقولنا : الله قادر ، إخبار عن الذات أنها ليست بعاجزة ، ولا يعوزها شيء .
وقولنا : الله مريد ، إخبار عن الذات أنها مكرهة ، ولا يفوقها شيء .
وكذلك سائرها . وليس في إن نفينا عن الذات هذه الأمور ما يقتضي أن معها شيئا غيرها يقاومها فيضاهيها ، أو شيئا غيرها تستعين به ويكون جزءا منها ، وذلك محال في ذات الباري سبحانه .
فالقديم : من سبق الحدث والعجز والحاجة وجوده .
فمن حصل اسم القدم له ، حصلت له الألوهية والصفات الكاملة ، وذلك عن غير الله منفي ، ولا قديم إلا الله ، ولا إله إلا الله ، واستأثر الله بالكمال ولم يبرأ الغير من النقصان ، ونضرب في ذلك مثلا : رجلا قاعدا في موضع من المواضع ، تختلف فيه عليه الأشياء من بين مار بين يديه وآخر من خلفه وآخر فوقه وآخر تحته ، وليس في اختلاف هذه الجهات ما يقتضي اختلاف ذات الإنسان ، وربما يتوهم التعمي علينا ، فيقسمه تقسيما ، فيجعل الرأس ناحية والرجلين ناحية والجنبين ناحية .
واعلم أن غرضنا الذات ، واعلم أن من جاز بين يدي إنسان ، فقد جاز عليه كله ، وكذلك سائر الجهات .
وليس إن اختلفت النسب إلى هذه الجهات ما يقتضي الاختلاف في الإنسان فهو أولا إنسان وآخرا إنسان .
وإن ألتبس الأمر مع هذا أوقع الكلام على جزء من الغرض ، ومن وراء ذلك المرآة ، فإن الصور تنطبع فيها وليس ذلك بمؤثر في ذاتها أو ناقص أو زائد فيها ، ولله المثل الأعلى ، وهذا معتقدنا في إلهنا .
ولنرجع إلى معارضتهم إيانا في الصفات .
صفحه ۵۹