فإن قالوا : إذا زعمتم أن الذات واحدة وأن صفاتها هي ، ما تقولون فيمن خلقه الباري حيا ثم مات ، أو ميتا ثم حيي ، أيعلم بواحد علمه أو بعلوم كثيرة ؟
فإن قلتم : بعلم واحد ، فقد جعلتم الحي ميتا والميت حيا .
وإن قلتم : بعلوم كثيرة ، فقد أثبتم قدماء كثيرة .
وإن قلتم : علمه بلا علم وقعتم في المحال .
قلنا - وبالله التوفيق : إن الله تعالى علم الحي منا في حين حياته ، ثم علمه في حين موته ، ووقع التفاوت بين الحالتين لا بين العلمين ، كما أن الذات التي علمتها ميتة ، هي الذات التي علمتها حية ، فما قلتم في العالم ، قلنا في العلم ، ونعكس عليهم المسألة .
فإن قالوا : بعلم واحد ، لزمهم أن يجعلوه حيا ميتا موجودا معدوما .
وإن قالوا : بعلوم كثيرة على عدد أجزاء الخليقة ، فقد أثبتوا قدماء كثيرة مع الله في الأزل .
فإن قالوا : علمها بلا علم . وقعوا في المحال ، ولا سبيل لهم ولا مخرج لهم إلا السبيل الذي سلكنا .
وكذلك القول في سائر الصفات ، من القدرة والإرادة والسخط والرضى .
واعلم أن الأشياء تختلف بالأعيان والأزمان والمكان ، وتقع النسبة إليها من جهة العلم نسبة واحدة ، ومن جهة القدرة وغيرها نسبة واحدة ، ومن جهاتها مختلفة ، وليس ذلك بضائر الذات شيئا .
وكذلك لو علم رجلان شيئا واحدا والشيء على حدته والعالمان اثنان ، أو علم رجل شيئين ، على أنا لا نثبت مع الباري سبحانه علما غير ما يقع التطالب والتخاطب عليه .
فإن أبوا أن يثبتوا معاني قديمة غير الله قلنا : ( أئفكا آلهة دون الله تريدون ، فما ظنكم برب العالمين ) .
فإن قالوا : إنكم أبطلتم المعنى المعقول في لغة العرب : إنهم إذا وصفوا إنسانا بالشجاعة أو الجبن أو بالسخاء أو البخل أثبتوها صفات غيره .
قلنا لهم وبالله التوفيق :
صفحه ۶۰