وعلى هذه الأصول عولت الموحدة في إثبات الألوهية بينهم وبين الدهرية . فأطبق الموحدة على ذلك إلا من شذ في بعض الفروع .
الشرح : وبالله التوفيق .
فإن قال قائل : وما في الحدث مما يدل على وجود الباري سبحانه ؟
قلنا وبالله التوفيق : انطباق الفطرة العقلية على أن النباء دال على بان ، والكتابة دالة على كاتب ، والأثر دال على المؤثر ، والصناعات كلها دالة على صناعها ، عقلا وشرعا ، ولغة وطبعا .
أما من جهة العقل : فإن علوم العقل ثلاثة مغروزة في جبلته ومنقوشة فيه مجملة وهي : وجوب الواجبات ، وجواز الجائزات ، واستحالة المستحيلات ، فهذه إحدى الواجبات ، ومحال ظهور الأثر ولا مؤثر ، وكتابة ولا كاتب ، وبناء ولا باني ، وصناعة ولا صانع ، وحدث ولا محدث .
وأما الشرع : فقول الله - عز وجل - : ( إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار ) إلى قوله : ( لقوم يعقلون ) . فجعل الله - عز وجل - حدوث هذه الأسباب دلالة على صدقه فيما قال ، فضلا عن وجوده ، وقد ثبت وجود الفرع فما بال الأصل وقوله : ( قل من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) .
وأما اللغة : فمن جهة اللفظ قسمت العرب هذه الألفاظ على جميع لغتها أن الحدث يقتضي الإحداث والمحدث والمحدث ، والخروج يقتضي المخرج والمخرج والإخراج والخروج ، وهذه في سائر لغة العرب . ولابد للفعل من هذه الأربعة معان : الفاعل والمفعول والفعل والفعل . فالفاعل والمفعول معروفان والفعل المصدر . والفعل الاسم . قال الله - عز وجل - : ( وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) .
وأما الطبع : فمحال وجود الحدث ولما يفعله أحد ، عقلا نفرت منه الطباع واستحال الاختراع ، إلا من مخترع مبتدع ، وساغ الامتناع .
فلو أطبق الخلق والخلائق أن ينحلوا فعلا غير فاعله لأحلوا ، ولو شهدوا بهذا عند من له أدنى عقل لكذبهم واستخف بهم .
صفحه ۵۶