وسعة رحمة الله كثيرة ، ولا مطمع فيها لصنفين : مصر على معصية الله عازم أن يلقى الله - عز وجل - بها يوم القيامة ، ومبتدع في دين الله - عز وجل - منعكس منتكس عن الله تعالى .
وقال الشيخ - رضي الله عنه - : ( وندين بتكفير من زعم أن معصية الله - عز وجل - كلها كفر ، وطاعته كلها توحيد ) .
واعلم أن الشيخ قد أطلق هاهنا : ( وندين ) وهي على الشروط المتقدمة وإلا فالرأي عجز .
فممن أثبت أن معصية الله كفر : ابن عباس حين قال : ( ليس فيما يعصى الله به صغير ) ، وما ليس بصغير فهو كبير ، وما هو كبير فهو كفر .
وغرض الشيخ ومراده مذهب الخوارج الذين زعموا أن معصية الله كلها كفر ن وأكدوا أنها شرك ، وديانتنا فيهم أنهم كفروا حين حققوا ما قالوا بالفعال وبالقتل والسبي والغنيمة .
ولو اقتصروا على قولهم دون فعلهم ن لكان لهم فيه مندوحة وقد وقع الشرط في الأفعال وهو الرياء ، فليس ذلك بمخرجه من أحكام الرياء إلى أحكام الشرك .
وإن عكست الطاعة أنها إذا شابها التقرب فهو توحيد ، فما فيه أكثر من الغلط على اللغة ، ولو ورد به الشرع لجاز .
ومراد الشيخ في ( وندين ) كما تقدم بمعنى نصوب إلا لمن انتهك أحد الشروط فهو هالك .
وقول الشيخ - رضي الله عنه - : ( وندين بأن جميع ما أمر الله به إيمان ، وليس جميع ما نهى الله عنه كفرا ، وبامتنان من منان إذ جعل طاعته كلها إيمانا ، ولم يجعل معصيته كلها كفرا ) .
اعلم أن معنى : ( وندين ) هاهنا بمعنى ونصوب وليس بمعنى نتدين . وأن الصحيح كما قال الشيخ : إن جميع ما أمر الله به تعالى وندب إليه إيمانا ، وإنما يقع القول هاهنا في أوامر الله - عز وجل - هل هي على الوجوب أو على الند ؟ حتى يرد ما يوجب الالتزام أو على الفور أو على التراخي .
صفحه ۵۱