واعلم أن الناس قد اختلفوا في هذا كله ، فأوجب بعضهم أن جميع ما أمر الله تعالى به فرض ، ولا يقع الأمر على النوافل لكن الندب والدعاء إليها والتحضيض والترغيب والطاعة ، وأما الأمر فلا ، وهذا قول عمروس بن فتح ، وبعض الأئمة على هذا القول .
فليس يصلح في المسألة ندين إلا بمعنى نصوب لا بمعنى نتدين لئلا يقطع عذر عمروس في أمر مختلف فيه الأمة ، وهو مما يسوغ للفقهاء الاختلاف فيه .
واستدل من قال بهذا القول بقول الله : ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن تكون لهم الخيرة من أمرهم ) .
ولم يسوغ لهم التخير بين الفعل والترك فأكد ذلك بقوله عقب هذا ( ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) .
وقوله - عز وجل - أيضا لإبليس اللعين : ( ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه ) .
ولو احتمل الأمر التأخير أو التخيير لاعتل بذلك إبليس ، فيقول : أمر الله على الندب حتى يرد ما يوجبه ، أو على التراخي حتى يرد ما يضيقه ولأصاب إبليس اللعين مندوحة وفسحة .
وقول رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : (( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة وعند كل وضوء )) ومعلوم أنه ندبهم إليه .
وقالت الأشعرية : إن أوامر الله تعالى على الوقف ، قلنا لهم : قفوا .
وأما الدليل على أن الإيمان جميع طاعة الله - عز وجل - مأمورا بها ومندوبا إليها ، قول الله - عز وجل - حين انتقلوا إلى استقبال الكعبة وتركوا استقبال بيت المقدس ، فقالت اليهود : ما حال صلاتهم أول مرة إلى بيت المقدس ؟ يعيبون المسلمين بذلك وأنهم قد أبطلوا أجور صلواتهم إلى بيت المقدس ، قال الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) . يعني صلواتهم إلى بيت المقدس .
فلو قال قائل : إنما يريد إيمانهم في استقبالهم بيت المقدس ، وأما الصلوات فإنها ضاعت .
صفحه ۵۲