ويجوز تقدير من قبل أن، أي من أن يذكر (وسعى) أي عمل (في خرابها) بمنع المسبحين والمصلين أو بهدمها وإن أريد المسجد الحرام فتخريبه بمنع الحجاج «1» والمعتمرين والمصلين فيه (أولئك) أي المانعون عن الدخول فيها وهم النصارى أو المشركون (ما كان لهم) أي ما ينبغي لهؤلاء (أن يدخلوها إلا خائفين) من القتل، نصب حال من ضمير «يدخلوها»، والغرض عدم دخولهم إلا حال خوفهم، ومعناه: إذا دخلوها كانوا خائفين، أي على حال الخوف والشديد من المؤمنين ولم يدخل بيت المقدس بعد عمارته رومي إلا خائفا لو علم به قتل أو المراد من المسجد الحرام مكة «2»، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتحها نادى مناديه: «ألا لا يطوفن بالبيت عريان ولا يحجن بعد العام مشرك» «3»، فالشافعي لا يجوز دخول الكافر في المسجد الحرام، ويجيزه في غيره، ومنعه مالك مطلقا، وجوزه أبو حنيفة رضي الله عنه بالإذن «4» (لهم في الدنيا خزي) أي قتل للحربي وجزية للذمي (ولهم في الآخرة عذاب عظيم) [114] أي عذاب دائم لمن مات على الكفر.
[سورة البقرة (2): آية 115]
ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (115)
قوله (ولله المشرق والمغرب) أي بلادهما، يعني الأرض كلها لله تعالى، هو مالكها حقيقة (فأينما تولوا) أي تستقبلوا وتصرفوا وجوهكم (فثم وجه الله) أي جهته التي أمر بها أن تصلوا ورضيها قبلة، نزل حين منع المسلمون من الصلوة في المسجد الحرام أو في بيت المقدس «5»، يعني جعلت لكم الأرض مسجدا «6»، فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها إذا وليتم وجوهكم شطر القبلة المرضية لامكان التولية في كل مكان لا يختص مكانها في المسجد ولا في مكان دون مكان أو نزل حين خرج قوم من أصحاب الرسول في سفر فأصابهم الضباب فبعضهم صلى إلى المشرق وبعضهم صلى إلى المغرب، فلما ذهب الضباب تبين لهم ذلك فجاؤا إلى رسول الله، فسألوه فبين لهم أينما توجهتم بنية القبلة فثم وجه الله «7» (إن الله واسع) أي واسع المغفرة (عليم) [115] بنياتكم الخالصة في صلوتكم حيثما صليتم.
[سورة البقرة (2): آية 116]
وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116)
قوله (وقالوا اتخذ الله ولدا) نزل حين قالت اليهود: عزير ابن الله، والنصارى: المسيح ابن الله، ومشركو العرب: الملائكة بنات الله «8»، وهو معطوف بالواو «وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا» «9»، وقرئ بغير واو «10» على الاستئناف، أي قال الكفار ذلك القول (سبحانه) أي تنزيها له وتبعيدا عما يقول الظالمون، وكيف يوجد له ولد ولا مجانسة بينه وبين أحد (بل له ما في السماوات والأرض) أي هو خالقه ومالكه ومن جملته الملائكة وعزير والمسيح (كل) أي كل شيء فيهما (له) أي لله (قانتون) [116] أي منقادون مطيعون مقرون بربوبيته منكرون لما أضافوا إليه وأورد بجمع أولي العقل بعد ذكر ما تغليبا للعقلاء على غيرهم.
[سورة البقرة (2): الآيات 117 الى 118]
بديع السماوات والأرض وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (117) وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله أو تأتينا آية كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم تشابهت قلوبهم قد بينا الآيات لقوم يوقنون (118)
(بديع السماوات والأرض) أي هو مبدعهما ومنشئهما على غير مثال سبق (وإذا قضى) أي حكم (أمرا)
صفحه ۷۰