من الأمور وأراد كونه (فإنما يقول له كن) أي أحدث (فيكون) [117] رفعا على الاستئناف ونصبا في جواب الأمر باضمار أن، أي أن يحدث ويتكون من غير امتناع بسرعة كالمأمور المطاع بلا توقف، فليس المراد من القول له ب «كن» الخطاب بالأمر حقيقة بل هو خبر عن الحكم بوجوده بمعنى «1» فانما يقول له ب «كن»، فهو يكون «2»، لأن الخطاب لا يرد على الموجود ولا على المعدوم، وقيل: يجوز أن الخطاب للموجود في علم الله، لأن الأشياء كلها كموجودة في علم الله بوجه لا نعلمه «3»، روي: أن الآية نزلت حين قال وفد نجران من النصارى للنبي عليه السلام، هل رأيت خلقا من غير أب جوابا لهم قوله «4» (وقال الذين لا يعلمون) إخبار عما قالوا استهزاء، أي قال الجهال من الناس يعني المشركين أو أهل الكتاب الذين لم يعملوا بعلمهم (لو لا يكلمنا الله) أي خلا يكلمنا كما يكلم الملائكة وموسى فيخبر لنا أنك رسول الله (أو تأتينا) أي أو هلا تجيئنا منه (آية) أي علامة دالة على نبوتك فقال الله تعالى (كذلك) أي مثل ذلك القول (قال الذين من قبلهم) من اليهود لموسى أرنا الله جهرة (مثل قولهم) أي قول هؤلاء الجهلة (تشابهت قلوبهم) أي قلوب هؤلاء وقلوب من تقدمهم في القسوة والعمى (قد بينا الآيات) أي أوضحنا وأظهرنا العلامات، وهي المعجزات لنبوتك (لقوم يوقنون) [118] أي يتيقنون وينصفون أنها آيات يجب الاعتراف والإيمان بها.
[سورة البقرة (2): آية 119]
إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا ولا تسئل عن أصحاب الجحيم (119)
ثم شرع في تسلية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله (إنا أرسلناك بالحق) أي بالقرآن وشرائع الإسلام (بشيرا) أي مبشرا بالجنة لأوليائي بالإيمان بك (ونذيرا) أي ومخوفا لأعدائي بترك الإيمان بك، يعني لم نرسلك عبثا وما عليك إلا البلاغ فلا تغتم لإصرارهم على الكفر (ولا تسئل) معلوما بالجزم نهيا من الله للنبي عليه السلام عن السؤال (عن أصحاب الجحيم) [119] تهويلا لعذابهم كما يقال لا تسأل عن فلان إذا كان في هلكة، وقرئ مجهولا بضم التاء واللام «5»، أي أنك بلغت الرسالة فلا تسأل عما فعلوا من الإصرار على الكفر والمعاصي.
[سورة البقرة (2): آية 120]
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير (120)
قوله (ولن ترضى) نزل حين طلبت يهود المدينة ونصارى نجران الصلح، وكانوا يرونه أنهم يدخلون في دين الإسلام «6»، فأقنطه من طمعه في إسلامهم بقوله «ولن ترضى» أبدا (عنك اليهود ولا النصارى) ولو جهدت في طلب رضاهم (حتى تتبع ملتهم) أي حتى تدخل في دينهم وتصلي قبلتهم، ثم بالغ في الإقناط بأن أمره أن يقول في جوابهم بقوله (قل إن هدى الله) أي الذي هو دين الحق وطريق الإسلام (هو الهدى) الذي ليس وراءه هدى (ولئن اتبعت أهواءهم) أي دينهم الباطل (بعد الذي جاءك من العلم) أي بعد ما ظهر لك حقية الإسلام وما فيه من الأحكام (ما لك من الله) أي ليس لك من عذابه تعالى (من ولي) أي قريب ينفعك (ولا نصير) [120] أي مانع قوي يمنعك منه.
[سورة البقرة (2): آية 121]
الذين آتيناهم الكتاب يتلونه حق تلاوته أولئك يؤمنون به ومن يكفر به فأولئك هم الخاسرون (121)
قوله (الذين آتيناهم الكتاب) مبتدأ، نزل في مؤمني أهل الكتاب وهم اثنان وثلاثون رجلا قدموا مع
صفحه ۷۱