أي مثل ما سأله بنو إسرائيل (من قبل) أي من قبل محمد حيث قالوا أرنا الله جهرة وغير ذلك من الأشياء التي كانت عاقبتها وبالا عليهم فلا تسألوه بل ثقوا بالله فيما هو أصلح لكم وينزله عليكم مما يتعبدكم به، ثم قال (ومن يتبدل الكفر) أي يستبدله (بالإيمان) بسبب السؤال وترك الثقة بالله فيما ينزل على محمد بعد قيام البرهان (فقد ضل) أي أخطأ وغوى (سواء السبيل) [108] أي وسط طريق الهدى.
[سورة البقرة (2): آية 109]
ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره إن الله على كل شيء قدير (109)
قوله (ود كثير) نزل حين قالوا لأصحاب الرسول عليه السلام بعد وقعة أحد: لو كنتم على الحق لما هزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم، فقالوا: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا، ثم أتوا إلى رسول الله وأخبروا بذلك، فقال عليه السلام: «أصبتم خيرا وأفلحتم» «1»، فأخبر تعالى أنه يحب ويتمنى (من أهل الكتاب لو يردونكم) أي أن يصرفونكم عن التوحيد (من بعد إيمانكم كفارا) نصب على الحال من مفعول «يردون»، ولم يكن ما قالوا لكم على وجه النصح بل قالوه (حسدا) أي للحسد أو نصب مصدر فعله محذوف، أي يحسدونكم حسدا منبثعا (من عند أنفسهم) أي من أصل أنفسهم أو ودوا ذلك قبل شهوتهم وتمنيهم، لا من قبل الحق وأمره (من بعد ما تبين لهم) في التورية (الحق) وهو أن دين محمد عليه السلام صدق (فاعفوا) أي اتركوهم من الانتقام «2» (واصفحوا) أي وتجاوزوا «3» عنهم بالإعراض عن مساوي أخلاقهم (حتى يأتي الله بأمره) بالقتال وكان ذلك أن يؤمروا بالقتال بقوله «قاتلوا الذين لا يؤمنون» «4» الآية (إن الله على كل شيء قدير) [109] من النصرة للمؤمنين على الكفار والانتقام منهم وهو قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير.
[سورة البقرة (2): آية 110]
وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير (110)
(وأقيموا الصلاة) أي أدوها في مواقيتها باتمام أركانها مع الخشوع (وآتوا الزكاة) أي أعطوا الزكوة المفروضة عليكم (وما تقدموا) مجزوم بما للشرط، أي أي شيئ تعملوه (لأنفسكم من خير) أي حسنة كصلوة أو صدقة أو غيرهما من أعمال البر، جوابه (تجدوه) مجزوم بحذف النون، أي تجدوا ثوابه (عند الله) أي محفوظا عنده في الآخرة كاللقمة مثل أحد، قيل: مكتوب في بعض الكتب المنزلة يا ابن آدم! ضع كنزك عندي لا سرق ولا حرق ولا فساد، تجده حين تكون أحوج إليه «5» (إن الله بما تعملون بصير) [110] أي عالم به فيجازيكم بالخير خيرا وبالشر شرا، يعني لا يضيع عنده عمل عامل، وفيه تهديد وتبشير.
[سورة البقرة (2): آية 111]
وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111)
قوله (وقالوا) أي قال أهل الكتاب من اليهود والنصارى، نزل حين قالت اليهود: لا دين إلا اليهودية، والنصارى: لا دين إلا النصرانية «6»، فلف بين القولين للعلم بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله، أي قالت اليهود (لن يدخل الجنة إلا من كان هودا) جمع هائد ولم يقل كانوا نظرا إلى لفظ «من»، قوله (أو نصارى) «أو» فيه لتفصيل ما أجمل من الضمير في «قالوا» لليهود والنصارى لا لأحد الشيئين، أي قالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، ثم أشار بقوله (تلك) إلى الأماني التي ذكرت لهم، وهي أن لا ينزل على المؤمنين
صفحه ۶۸