[سورة البقرة (2): آية 106]
ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير (106)
(ما ننسخ من آية) نزل حين طعن اليهود في النسخ فقالوا: ألا ترون إلى محمد يقول اليوم قولا ويرجع عنه غدا فلا يقول إلا من تلقاء نفسه، فلو كان حقا لم يرجع «1»، فأخبر «2» تعالى عن حكمة النسخ، وقال: ما ننسخ مجزوم بما الشرطية، أي أي شيء نزله من آية بيان لما قرئ «3» بفتح نون التكلم والسين من نسخ «4»، والنسخ: إزالة شيء بشيء «5» بعقبه كنسخ الشمس الظل، وبضم النون وكسر السين من أنسخ، والإنساخ: هو الأمر بنسخ شيء للغير كأمره تعالى بجبرائيل أن يجعل الآية منسوخة بالإعلام بنسخها مع إتيان بدلها، قوله (أو ننسها) بالجزم عطف على «ننسخ»، قرئ بضم نون التكلم وكسر السين بلا همز مزيد من النسيان ضد الذكر بمعنى أو ننسكها وبفتح النون والسين بالهمز «6» من النسأ بمعنى التأخير، وهو أن يذهب بحفظها عن القلوب، أي أو نؤخرها فلا نبدلها ببدل بأن نرفع تلاوتها ونؤخر حكمها كآية الرجم، يعني نبقي حكمها ونذهب تلاوتها أو نؤخرها بأن نتركها في اللوح المحفوظ فلا ننزل لحكمة نعلمها ، والمعنى: أن كل آية نذهب بها ونبقي حكمها أو نذهب بمعناها ونبقي لفظها أو نذهب بهما معا فلا نعمل «7» بها (نأت بخير منها) أي نجيء بآية هي أنفع للعباد يسرا والعمل بها أكثر ثوابا (أو مثلها) أي تأت بآية مثلها في المنفعة ابتلاء لهم من جهة الاعتقاد كابتلاء بني إسرائيل بالنهر، قوله (ألم تعلم) استفهام تقرير أنه قادر على جميع ما يشاء أي قد علمت (أن الله على كل شيء) من النسخ وغيره (قدير) [106] يعني يقدر على الإتيان بالخير ومثله، لا يعجزه شيء إذا شاء ذلك.
[سورة البقرة (2): آية 107]
ألم تعلم أن الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير (107)
وكرر الاستفهام التقريري تأكيدا بقوله (ألم تعلم) يا محمد (أن الله له ملك السماوات والأرض) أي هو يملكهما وما فيهما فهو أعلم بما يصلح لعباده وما يفسد لهم من نسخ الآية وإتيان غيرها أو مثلها على حسب مصالحهم، فيجوز أن يأمر بأمر ثم يأمر بغيره كما أن شريعة موسى لم تكن قبلهم، فأمره بذلك لاختلاف الأزمنة صالحا وفسادا في حكم الشرع كاختلاف الصيف والشتاء في حكم الطب، ثم هدد من لم يؤمن بالناسخ والمنسوخ بقوله (وما لكم من دون الله) أي من قرب عذابه يا يهود (من ولي) أي قريب و «من» زائدة (ولا نصير) [107] أي مانع يمنعكم من عذابه.
[سورة البقرة (2): آية 108]
أم تريدون أن تسئلوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل (108)
قوله (أم تريدون) نزل حين قالت اليهود: يا محمد إن كنت نبيا فاكشف عنا الغطاء حتى نرى الله جهرة «8» أو قالوا: إئتنا بكتاب من السماء كما أتى موسى التورية «9» أو قالوا: وسع لنا أرض مكة واجعل الصفا ذهبا حتى نؤمن بك «10»، فقال تعالى أتريدون، والميم صلة أتطلبون (أن تسئلوا رسولكم) أي محمدا (كما سئل موسى)
صفحه ۶۷