الوزر العظيم، قيل: يجب على العالم أن يعمل بما علم وعلى الجاهل أن يطلب العلم ليعمل «1»، أي ومن اليهود الذين هم أهل الكتاب أميون، أي لا يحسنون قراءة الكتاب، جمع أمي، منسوب إلى الأم، كأنه باق على أصل خلقته لا يكتب ولا يقرأ، قوله (لا يعلمون الكتاب) بيان للأميين أي لا يقرون الكتب ولا يعرفون معناها، قوله (إلا أماني) بتشديد الياء ونصبها «2» استثناء منقطع، لأنها ليست من جنس الكتب، جمع أمنية من التمني، أي لكن الشهوات الباطلة ثابتة عندهم وهي المفتريات والمختلقات تخرصا من تغيير صفة محمد عليه السلام وإنهم لا يعذبون في النار إلا أياما معدودات، وإن آباءهم الأنبياء يشفعون لهم، وإن الله لا يؤاخذهم بخطاياهم ويرحمهم ولا حجة في صحة ذلك (وإن هم) أي ما هم (إلا يظنون) [78] ظنا من غير تيقن بها.
[سورة البقرة (2): آية 79]
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (79)
(فويل) أي عقوبة عظيمة رفع بالابتداء خبره ما بعده، قيل: هو كلمة الدعاء على النفس بالعذاب «3»، وقيل:
اسم واد في جهنم لو سيرت الجبال فيه لذابت من حره «4» وهو (للذين يكتبون الكتاب) المحرف وهم رؤساء اليهود الذين محوا نعت النبي عليه السلام وكتبوا غيره (بأيديهم) تأكيد (ثم يقولون) لعوامهم (هذا من عند الله) في التورية (ليشتروا به) أي بالمحرف (ثمنا قليلا) أي عرضا يسيرا من حطام الدنيا (فويل لهم مما كتبت أيديهم) أي العقوبة العظيمة ثابتة لهم من أجل كتابتهم إياه (وويل لهم مما يكسبون) [79] أي من أخذهم الرشوة وعملهم المعاصي.
[سورة البقرة (2): آية 80]
وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (80)
(وقالوا) زعما منهم (لن تمسنا) أي لا تصل «5» إلينا (النار إلا أياما معدودة) أي أربعين يوما وهي مدة ما عبد آباؤهم العجل ثم يزول عنا العذاب فأكذبهم الله تعالى فقال (قل) يا محمد (أتخذتم عند الله عهدا) موثقا بأنكم لا تعذبون أو أقلتم لا إله إلا الله فنجوتم من العذاب، قوله (فلن) جواب شرط محذوف، أي إذا اتخذتم عند الله عهدا فلن (يخلف الله عهده) الذي عهده إليكم، يعني ينجز وعده البتة، و«أم» في قوله (أم تقولون) معادلة بالهمزة بمعنى أي الأمرين المتساويين واقع لتحقق العلم بأحدهما، يعني اتخذتم ذلك العهد أم تزعمون (على الله ما لا تعلمون) [80] حقيقته، روي عن النبي عليه السلام: «أنهم إذا مضت تلك المدة عليهم في النار يقول لهم خزنة جهنم: يا أعداء الله ذهب الأجل وبقي الأبد فأيقنوا بالخلود» «6».
[سورة البقرة (2): آية 81]
بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون (81)
قوله (بلى) إثبات لما بعد النفي، ورد لقولهم «لن تمسنا النار»، أي بلى تمسكم النار وتخلدون فيها وبين ذلك بعده بالشرط والجزاء، وهما (من كسب سيئة) هي الشرك (وأحاطت به) أي أحدقته من كل جانب (خطيئته) وقرئ «خطاياه» «7»، أي كبائره ويموت مصرا عليها من غير توبة (فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [81] أي لا يخرجون منها أبدا ولا يموتون لئلا يعذبوا.
صفحه ۵۷