وكرب وقلق وتهوع ومغص وقراقر وريح جوالة فِي الْبَطن فَعِنْدَ ذَلِك الاستفراغ سكن جَمِيع مَا كَانَ يجده
وَقد كَانَ آخر من النَّاس عَبث بِبَعْض اليتوعات فمغصه فأسهله وقيأه إسهالا وقيئا كثيرا وَصَارَت عِنْده معرفَة أَن هَذِه الحشيشة تفعل هَذَا الْفِعْل وَإِن هَذَا الْحَادِث مخفف لتِلْك الْأَعْرَاض مزيل لَهَا فَذكره لذَلِك الشَّخْص وحثه على اسْتِعْمَال الْقَلِيل مِنْهُ لما تعوق عَلَيْهِ الْقَيْء والإسهال وصعبت عَلَيْهِ الْأَعْرَاض فأداه إِلَى غَرَضه مِنْهُمَا وخفف عَنهُ مَا لَقِي من شَرّ تِلْكَ الْأَعْرَاض
ولطفت الصِّنَاعَة ورقت حواشيها وَنظرت فِي بَاقِي الحشائش الشبيهة بِتِلْكَ مَا مِنْهَا يفعل ذَلِك وَمَا مِنْهَا لَا يَفْعَله وَمَا مِنْهَا يَفْعَله بعنف وَمَا مِنْهَا يَفْعَله بِضعْف
وَجَاء صفاء الْعُقُول فَنظر فِي الدَّوَاء الَّذِي يفعل ذَلِك أَي الطعوم طعمه وَأي الكيفيات يسْبق إِلَى اللِّسَان مِنْهُ وأيها يتبعهَا فَجعل ذَلِك سباره ويستخرج مِنْهُ
وإعانته التجربة وأخرجت مَا وَقع لَهُ من القَوْل إِلَى الْفِعْل وكذبت مَا غلط فِيهِ وصححت مَا حدس عَلَيْهِ حدسا صَحِيحا حَتَّى اكْتفى من ذَلِك
وَإِذا نزلت أَن مسهولا لَا يعلم أَي الْأَدْوِيَة وَأي الأغذية يَنْفَعهُ أَو يضرّهُ اسْتعْمل بالِاتِّفَاقِ سماقا فِي غذائه فَانْتَفع بِهِ ودام عَلَيْهِ فَأَبْرَأهُ فَأحب أَن يعلم بِمَاذَا أَبرَأَهُ فتطعمه فَوَجَدَهُ حامضا قَابِضا فَعلم أَنه لَا يَخْلُو من أَن يكون حمضه نَفعه أَو قَبضه فذاق غَيره مِمَّا فِيهِ حموضة مَحْضَة فَقَط وَاسْتَعْملهُ فِي غَيره مِمَّن بِهِ مثل مَا كَانَ بِهِ فَوَجَدَهُ لَا يفِيدهُ مَا أَفَادَهُ هُوَ فَعمد إِلَى شَيْء آخر طعمه قَابض فَقَط فَاسْتَعْملهُ فِي ذَلِك الشَّخْص بِعَيْنِه فَوجدَ فَائِدَته فِيهِ أَكثر من فَائِدَة الحامض الْمُطلق فَعلم أَن ذَلِك الطّعْم مُفِيد فِي تِلْكَ الْحَالة وَسَماهُ قَابِضا وسمى ذَلِك استفراغا وَقَالَ أَن الْقَابِض ينفع من الاستفراغ
ولطفت الصِّنَاعَة ورقت حواشيها فِي ذَلِك حَتَّى استخرجت الْعَجَائِب واستنبطت الْبَدَائِع
وأتى الثَّانِي فَوجدَ الأول وَقد استخرج شَيْئا جربه فَوَجَدَهُ حَقًا فاحتفظ بِهِ وقاس عَلَيْهِ وتمم حَتَّى استكملت الصِّنَاعَة
وَلَو نزلنَا مَجِيء مُخَالف وجدنَا كثيرين موافقين وَإِذا غلط مُتَقَدم سدد مُتَأَخّر وَإِذا قصر قديم تمم مُحدث
هَكَذَا فِي جَمِيع الصناعات كَذَا الْغَالِب على ظَنِّي
قَالَ قَالَ حُبَيْش الأعسم أَن رجلا اشْترى كبدا طرية من جزار وَمضى إِلَى بَيته فَاحْتَاجَ أَن ينْصَرف فِي حَاجَة أُخْرَى فَوضع تِلْكَ الكبد الَّتِي كَانَت مَعَه على أوراق نَبَات مبسوطة كَانَت على وَجه الأَرْض ثمَّ قضى حَاجته وَعَاد ليَأْخُذ الكبد فَوَجَدَهَا قد ذَابَتْ وسالت دَمًا فَأخذ تِلْكَ الأوراق وَعرف ذَلِك النَّبَات وَصَارَ يَبِيعهُ دَوَاء للتلف حَتَّى فطن بِهِ وَأمر بقتْله
1 / 15