هِيَ أول فِي الْكَثْرَة لَا يجوز أَن تَجْتَمِع على أَمر متقن من أجل أَن كل شخص لَا يُسَاوِي كل شخص من جَمِيع الْجِهَات
وَإِذا لم تتساو من جِهَة آرائها لم يجز أَن تَجْتَمِع على أَمر مُحكم
قَالَ ابْن المطران هَذَا يُؤَدِّي أَيْضا فِي بَاقِي الْعُلُوم والصناعات إِلَى أَنَّهَا إلهام لِأَنَّهَا ذَوَات إتقان أَيْضا وَقَوله أَيْضا أَن الْأَشْخَاص لَا يجوز أَن تَجْتَمِع على أَمر متقن لَيْسَ بِشَيْء بل اجتماعها لَا يكون إِلَّا على أَمر متقن
وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف يَقع مَعَ عدم الإتقان
قَالَ أَبُو جَابر فقد بَان أَن الْأَشْخَاص فِي مبدأ الْكَثْرَة لَا يَتَأَتَّى مِنْهَا استنباط هَذِه الصِّنَاعَة وَكَذَلِكَ عِنْد نِهَايَة الْكَثْرَة لتباينهم وافتراقهم وَوُقُوع الْخلف بَينهم
ونقول أَيْضا يجوز أَن يشك شَاك فَيَقُول هَل يَتَأَتَّى عنْدك أَن يعرف إِنْسَان من النَّاس أَو كثير مِنْهُم منابت الحشائش والعقاقير ومواضع الْمَعَادِن وخواصها وقوى أَعْضَاء سَائِر الْحَيَوَان وخواصها ومضارها ومنافعها وَيعرف سَائِر الْأَمْرَاض والبلدان وَاخْتِلَاف أمزجة أَهلهَا مَعَ تَفْرِيق دِيَارهمْ وَيعرف الْقُوَّة الَّتِي ينتجها تركيب الْأَدْوِيَة وَمَا يضاد قُوَّة قُوَّة من قوى الْأَدْوِيَة وَمَا يلائم مزاجا مزاجا وَمَا يضاده مَعَ مَا يتبع ذَلِك من سَائِر صناعَة الطِّبّ فَإِن سهل ذَلِك وهونه كذب وَإِن صَعب أمره فِي علمه من جِهَة الْمعرفَة قُلْنَا استنباطه مُمْتَنع
وَإِذا لم يكن للصناعة الطبية لابتدائها إِلَّا الاستنباط أَو الْوَحْي أَو الإلهام وَكَانَ لَا سَبِيل إِلَى استنباط هَذِه الصِّنَاعَة بَقِي أَن تكون مَوْجُودَة بطرِيق الْوَحْي والإلهام
قَالَ ابْن المطران هَذَا كَلَام مشوش كُله مُضْطَرب وَإِن كَانَ جالينوس قَالَ فِي تَفْسِير الْعَهْد أَن هَذِه الصِّنَاعَة وحيية إلهامية
وَقَالَ فلاطن فِي كتاب السياسة أَن أسقليبيوس كَانَ رجلا مؤيدا ملهما
لَكِن تبعيد حُصُول هَذِه الصِّنَاعَة باستنباط الْعُقُول خطأ وتضعيف الْعُقُول الَّتِي استنبطت أجل من صناعَة الطِّبّ
ولننزل أَن أول الْعَالم كَانَ وَاحِدًا مُحْتَاجا إِلَى صناعَة الطِّبّ كحاجة هَذَا الْعَالم الجم الْغَفِير الْيَوْم وَأَنه ثقل عَلَيْهِ جِسْمه واحمرت عَيناهُ وأصابه عَلَامَات الامتلاء الدموي وَلَا يدْرِي مَا يفعل فَأَصَابَهُ من قوته الرعاف فَزَالَ عَنهُ مَا كَانَ يجده فَعرف ذَلِك فعاوده فِي وَقت آخر ذَلِك بِعَيْنِه فبادر إِلَى أَنفه فخدشه فَجرى مِنْهُ الدَّم فسكن عَنهُ مَا كَانَ يجده فَصَارَ ذَلِك عِنْده مَحْفُوظًا يُعلمهُ كل من وجده من وَلَده ونسله
ولطفت حَوَاشِي الصِّنَاعَة حَتَّى فتح الْعرق بلطافة ذهن ورقة حس
وَلَو نزلنَا لفتح الْعرق أَن آخر مِمَّن هَذِه صفته أنجرح أَو انخدش فَجرى مِنْهُ الدَّم فَكَانَ لَهُ مَا ذكرنَا من النَّفْع ولطفت الأذهان فِي اسْتِخْرَاج الفصد جَازَ فَصَارَ هَذَا بَابا من الطِّبّ
وَآخر امْتَلَأَ من الطَّعَام امتلاء مفرطا فَأَصَابَهُ من طَبِيعَته أحد الاستفراغين أما الْقَيْء وَإِمَّا الإسهال بعد غثيان
1 / 14