أَقُول هَذِه الْحِكَايَة كَانَت فِي وَقت جالينوس
وَقَالَ أَنه كَانَ السَّبَب فِي مسك ذَلِك الرجل وَفِي توديته إِلَى الْحَاكِم حَتَّى أَمر بقتْله
قَالَ جالينوس وَأمرت أَيْضا فِي وَقت مروره إِلَى الْقَتْل أَن تشد عَيناهُ حَتَّى لَا ينظر إِلَى ذَلِك النَّبَات أَو أَن يُشِير إِلَى أحد سواهُ فيتعلمه مِنْهُ
ذكر ذَلِك فِي كِتَابه فِي الْأَدْوِيَة المسهلة
وحَدثني جمال الدّين النقاش السعودي أَن فِي لحف الْجَبَل الَّذِي باسعرد على الْجَانِب الآخر مِنْهُ قَرِيبا من الميدان عشبا كثيرا
وَأَن بعض الْفُقَرَاء من مَشَايِخ أهل الْمَدِينَة أَتَى إِلَى ذَلِك الْموضع ونام على نَبَات هُنَاكَ وَلم يزل نَائِما إِلَى أَن عبر عَلَيْهِ جمَاعَة فوجدوه كَذَلِك وَتَحْته دَمًا سائحا من أَنفه وَمن نَاحيَة الْمخْرج فأنبهوه وبقوا متعجبين من ذَلِك إِلَى أَن ظهر لَهُم أَنه من النَّبَات الَّذِي نَام عَلَيْهِ
وَأَخْبرنِي أَنه خرج إِلَى ذَلِك الْموضع وَرَأى ذَلِك النَّبَات وَذكر من صفته أَنه على شكل الهندبا غير أَنه مشرف الجوانب وَهُوَ مر المذاق
قَالَ وَقد شاهدت كثيرا مِمَّن يُدْنِيه إِلَى أَنفه ويستنشقه مَرَّات فَإِنَّهُ يحدث لَهُ رعافا فِي الْوَقْت
هَذَا مَا ذكره وَلم يتَحَقَّق عِنْدِي فِي أَمر هَذَا النَّبَات هَل هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ جالينوس أَو غَيره
قَالَ ابْن المطران فَأَقُول حِينَئِذٍ أَن النَّفس الفاضلة المفيدة للخير نظرت حِينَئِذٍ فَعلمت
وكما أَن الدَّوَاء فعل ذَلِك الْفِعْل فَلَا بُد وَأَن يكون خلق دَوَاء آخر ينفع هَذَا الْعُضْو ويقاوم هَذَا الدَّوَاء ففتش عَلَيْهِ بالتجربة وَلم يزل يطْلب فِي كل يَوْم أَو فِي كل وَقت حَيَوَانا فيعطيه الدَّوَاء الأول ثمَّ الثَّانِي فَإِن دفع ضَرَره فقد حصل مُرَاده وَإِن لم ينفع فِيهِ طلب غَيره حَتَّى وَقع على ذَلِك الدَّوَاء
وَفِي اسْتِخْرَاج الترياق أعظم دَلِيل على مَا قلت إِذْ لم يكن الترياق سوى حب الْغَار وَعسل ثمَّ صَار إِلَى مَا صَار إِلَيْهِ من الْكَثْرَة والنفع لَا بِوَحْي وَلَا إلهام وَلَكِن بِقِيَاس وصفاء عقول وَفِي مدد طَوِيلَة
فَإِن قلت من أَيْن علم أَن الدَّوَاء لَا بُد لَهُ من ضد
قُلْنَا أَنهم لما نظرُوا إِلَى قَاتل البيش وَهُوَ نَبَات يطلع فَإِذا وَقع على البيش جففه وأتلفه علمُوا أَن مثله فِي غَيره فطلبوه
والعالم الفطن يقدر على علم كَيْفيَّة اسْتِخْرَاج شَيْء من المعلومات إِذا نظر فِيهِ على قياسنا الَّذِي وضعناه لَهُ
وَقد عمل جالينوس كتابا فِي كَيفَ كَانَ اسْتِخْرَاج جَمِيع الصناعات فَمَا زَاد فِيهِ على النَّحْو الَّذِي ذكرنَا
أَقُول وَإِنَّمَا نقلنا هَذِه الآراء الَّتِي تقدم ذكرهَا على اختلافها وتنوعها لكَون مقصدنا حِينَئِذٍ أَن نذْكر جلّ مَا ذهب إِلَيْهِ كل فريق
وَلما كَانَ الْخلف والتباين فِي هَذَا على مَا ترى صَار طلب أَوله
1 / 16