قال الإمام "ابن الجوزي" -رحمه الله-:
(من أعمل فكره الصافي؛ دله على طلب أشرف المقامات، ونهاه عن الرضى بالنقص في كل حال، وقد قال أبو الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيبا ... كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه:
فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات، لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض، ولو كانت النبوة تحصل بالاجتهاد، رأيت المقصر في تحصيلها في حضيض .
غير أنه إذا لم يمكن ذلك، فينبغي أن يطلب الممكن، والسيرة الجميلة عند الحكماء: خروج النفس إلى غاية كمالها الممكن لها في العلم والعمل.
وأنا أشرح من ذلك ما يدل مذكوره على مغفله:
أما في البدن: فليست الصورة داخلة تحت كسب الآدمي؛ بل يدخل تحت كسبه تحسينها، وتزيينها، فقبيح بالعاقل إهمال نفسه، وقد نبه الشارع على الكل بالبعض: فأمر بقص الأظفار ونتف الإبط، وحلق العانة، ونهى عن أكل الثوم والبصل النيىء لأجل الرائحة، وينبغي له أن يقيس على ذلك، ويطلب غاية النظافة، ونهاية الزينة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعرف مجيئه بريح الطيب، فكان الغاية في النظافة والنزاهة.
ولست آمر بزيادة التقشف الذي يستعمله الموسوس، ولكن التوسط هو المحمود ... ).
إلى أن قال -رحمه الله-:
صفحه ۵۸