ودع من الأمر أدناه لأبعده ... في لجة البحر ما يغني عن الوشل (¬4) قد يظفر الفاتك (¬1) الألوي (¬2) بحاجته ... ويقعد العجز بالهيابة (¬3) الوكل (¬4)
إن عالي الهمة يعلم أنه إذا لم يزد شيئا في الدنيا فسوف يكون زائدا عليها، ومن ثم فهو لا يرضى بأن يحتل هامش الحياة، بل لا بد أن يكون في صلبها ومتنها عضوا مؤثرا:
وما للمرء خير في حياة ... إذا ما عد من سقط (¬5) المتاع
وقال على بن محمد الكاتب البستي:
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا ... ولم أقتبس علما فما هو من عمري
إن كبير الهمة نوع من البشر تتحدى همته -بحول الله وقوته- ما وراه
غير مستحيلا، وينجز -بتوفيق الله إياه- ما ينوء به العصبة أولو القوة،
ويقتحم -بتوكله على الله- الصعاب والأهوال، لا يلوي على شيء:
له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر
فمن ثم قيل: "ليس في علو الهمة إفراط في الحقيقة"، لأن الهمم العالية طموحة وثابة، دائمة الترقي والصعود، لا تعرف الدعة والسكون.
فكن رجلا رجله في الثرى ... وهامة همته في الثريا
بل إن همته تتجاوز الثريا، ولا تقنع بدون أعلى درجات الجنة.
قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- لدكين لما جاءه: "يا دكين، إن لي نفسا تواقة، لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نلتها تاقت إلى الخلافة، فلما نلتها تاقت إلى الجنة".
صفحه ۵۷