مجتهد مصيب ما دام مرتكبا خطيئة واحدة لا سيما محبته للدنيا وشهواتها كما أنه لا ينبغي لك أن تطالبه بمثل ذلك ما دام في حجاب التقليد لإمامه فإنه محجوب بإمامه عن شهود العين الأولى التي اغترف منها إمامه لا يراها أبدا بل مره بالسلوك على يد شيخ عارف بطريق القوم وبالعوائق التي تعوق الطالب عن الوصول إلى منتهى السير فإذا بلغ النهاية وشهد مذاهب العلماء كلها شارعة إلى كبد العين وجداولها كما سيأتي بيانه في الأمثلة المحسوسة فهناك يقرر مذاهب الأئمة المجتهدين كما مر في الفصل قبله ويقول كل مجتهد مصيب وأما قبل بلوغه إلى هذا المقام فلا يجوز لك منعه من التقيد بمذهب واحد بل أنك لو نهيته عن ذلك لا يجيبك لأن من لازمه أن يقول المصيب واحد في نفس الأمر ولعله مذهبي أنا وحدي والباقي مخطئ لا يتعقل في قلبه غير ذلك ويقول الحق واحد غير متعدد ويجعل الشريعة جاءت على مرتبة واحدة لا على مرتبتين وإن الصحيح من الشريعة هو ما أخذ به إمامه سواء أكان تخفيفا أم تشديدا والحق أن الشريعة جاءت على مرتبتين بقرينة صحة أدلة كل من المرتبتين غالبا في أحاديث لا تحصى كما سيأتي بيانه في فصل الجمع بين الأحاديث إن شاء الله تعالى وكثيرا ما يقول البيهقي وغيره كالحافظ الزيلعي ممن جمع أدلة المذاهب في كتابه وانتصر لمذهبه ورجح أدلته بكثرة الرواة أو صحة السند وهذا الدليل وإن كان صحيحا فأحاديث مذهبنا أصح سندا وأكثر رواة وما قال ذلك إلا عند العجز عن تضعيف دليل المخالف وادحاضه بالكلية ولو أن صاحب هذا القول من البيهقي أو غيره اطلع على ما اطلعنا عليه من أن الشريعة المطهرة جاءت على مرتبتين تخفيف وتشديد لم يحتج إلى قوله أحاديثنا أصح وأكثر بل كان يرد كل حديث أو قول خالف الآخر إلى إحدى مرتبتي الشريعة وكذلك القول في مرجحي المذاهب من مقلدي الأئمة ما قالوا قلت الأصح كذا وكذا إلا لعدم اطلاعهم على مرتبتي الميزان ولو أنهم اطلعوا عليهما ما جعلوا في أقوال مذهبهم أصح وصحيحا وأظهر وظاهرا بل كانوا يقولون بصحة الأقوال كلها ويردونها إلى مرتبتي التخفيف والتشديد وإفتاء كل سائل بما يناسب حاله من قوة أو ضعف برخصة أو عزيمة وكان يفتي أحدهم على الأربعة مذاهب فإن قال لنا شافعي فعلى هذه الميزان فلي أن أصلي إذا مسست ذكري بلا تجديد وضوء قلنا له نعم لك ذلك ولكن بشرط أن تكون من أهل هذه الرخصة لا مطلقا وذلك كما إذا ابتلى الشخص بكثرة الوسواس في الوضوء لصلاة الصبح مثلا حتى كاد الوقت يخرج فلما فرغ هذا من الوضوء مس فرجه بغير قصد ففي مثل هذه الصورة له تقليد الإمام أبي حنيفة في الصلاة بهذه الطهارة التي وقع فيها مس الفرج بشرطها تحصيلا لفعل الفريضة في وقتها فإن المقاصد آكد من الوسائل عند جمهور العلماء لا سيما وقد ورد في الحديث هل هو إلا بضعة منك ولم يثبت عند من قال بذلك نسخة على اصطلاحنا فرجع الأمر في هذه المسألة إلى مرتبتي الميزان تخفيف وتشديد فليس لنحو من لم يبتل بالوسواس أن يصلي إذا مس فرجه أو لمس أجنبية مثلا إلا بعد تجديد الطهارة فإن قال لنا أحد ممن قلد الإمام أبا حنيفة رضي الله عنه إن إمامنا لا يقول بمطلوبية الطهارة ممن مس فرجه أبدا سواء أكان ممن يعسر عليه تجديد الطهارة أم لا قلنا له
صفحه ۳۹