الإيمان والتسليم من غير أن يعرف أحدهم مستندات أصحابها فيها ومدارك أقوالهم بعيد جدا على مقامهم وكذلك القول فيمن اختار غير ما نص عليه إمامه يحتمل أنه إنما اختاره لاطلاعه على اتصال ذلك القول بعين الشريعة المطهرة كما اتصل بها قول إمامه على حد سواء كالإمام زفر وأبي يوسف وأشهب وابن القاسم والنووي والرافعي والطمعاوي وغيرهم من اتباع المجتهدين ويحتمل أن كل من أفتى واختار غير قول إمامه لم يطلع على أدلة إمامه وإنما أفتى لاعتقاده صحة قول ذلك الإمام الآخر في نفس الأمر فعلم أن كل مقلد اطلع على عين الشريعة المطهرة لا يؤمر بالتقيد بمذهب واحد لأنه يرى اتصال أقوال الأئمة كلها صحيحها وضعيفها بعين الشريعة الكبرى وإن أظهر التقيد بمذهب واحد فإنما ذلك لكونه من أهل تلك المرتبة التي تقيد بها من تخفيف أو تشديد وربما لزم المذهب والأحوط في الدين مبالغة منه في طاعة الله تعالى من باب التطوع في قوله تعالى فمن تطوع خيرا فهو خير له وإلى نحو ما ذكرناه أشار الإمام الأعظم أبو حنيفة رضي الله عنه بقوله ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي فعلى الرأس والعين وما جاء عن أصحابه تخيرنا وما جاء عن غيرهم فهم رجال ونحن رجال انتهى ففي ذلك إشارة إلى أن للعبد أن يختار من المذاهب ما شاء من غير وجوب ذلك عليه إذا كان من أهل ذلك المقام وكان سيدي على الخواص رحمه الله تعالى إذا سأله إنسان عن التقيد بمذهب معين الآن هل هو واجب أم لا يقول له يجب عليك التقيد بمذهب ما دمت لم تصل إلى شهود عين الشريعة الأولى خوفا من الوقوع في الضلال وعليه عمل الناس اليوم فإن وصلت إلى شهود عين الشريعة الأولى فهناك لا يجب عليك التقيد بمذهب لأنك ترى اتصال جميع مذاهب المجتهدين بها وليس مذهب أولى بها من مذهب فيرجع الأمر عندك حينئذ إلى مرتبتي التخفيف والتشديد بشرطهما وكان سيدي على الخواص رحمه الله تعالى يقول أيضا ما ثم قول من أقوال العلماء إلا وهو مستند إلى أصل من أصول الشريعة لمن تأمل لأن ذلك القول إما أن يكون راجعا إلى آية أو حديث أو أثرا أو قياس صحيح على أصل صحيح لكن من أقوالهم ما هو مأخوذ من صريح الآيات أو الأخبار أو الآثار ومنه ما هو مأخوذ من المأخوذ أو من المفهوم فمن أقوالهم ما هو قريب ومنها ما هو أقرب ومنها ما هو بعيد ومنها ما هو أبعد ومرجعها كلها إلى الشريعة لأنها مقتبسة من شعاع نورها وما ثم لنا فرع يتفرع من غير أصل أبدا كما مر بيانه في الخطبة وإنما العالم كلما بعد عن عين الشريعة ضعف نور أقواله بالنظر إلى نور أول مقتبس من عين الشريعة الأولى ممن قرب منها وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول أيضا كل من اتسع نظره من العلماء ورأى عين الشريعة الأولى وما تفرع منها في سائر الأدوار واستصحب شهود ما تفرع منها في سائر الأدوار وهو نازل إلى آخر الأدوار أقر بحقية جميع مذاهب الأئمة ومقلديهم من عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عصره هو انتهى وسيأتي مثاله في فصل الأمثلة المحسوسة إن شاء الله تعالى من تمثيل ذلك بالشجرة أو شبكة الصياد وغير ذلك والحمد لله رب العالمين * (فصل) * وإياك يا أخي أن تطالب أحدا من طلبة العلم الآن بصدق اعتقاده في أن كل
صفحه ۳۸