الكتاب والسنة وقواعد الأئمة فالجواب من أدلة هذه الميزان طلب الشارع منا الوفاق وعدم الخلاف في قوله تعالى شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه أي بالآراء التي لا يشهد لموافقتها كتاب ولا سنة وأما ما شهد له الكتاب والسنة فهو من جمع الدين لا من تفرقته ومن الدليل على ذلك أيضا قوله تعالى يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر وقوله تعالى وما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله تعالى فاتقوا الله ما استطعتم وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وقوله تعالى إن الله بالناس لرؤف رحيم وأما الأحاديث في ذلك فكثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم الدين يسر ولن يشاد هذا الدين أحد إلا غلبه ومنها قوله صلى الله عليه وسلم لمن بايعه على السمع والطاعة في المنشط والمكره فيما استطعتم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا ومنها قوله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة أي توسعة عليهم وعلى أتباعهم في وقائع الأحوال المتعلقة بفروع الشريعة وليس المراد اختلافهم في الأصول كالتوحيد وتوابعه وقال بعضهم المراد به اختلافهم في أمر معاشهم وسيأتي أن السلف كانوا يكرهون لفظ الاختلاف ويقولون إنما ذلك توسعة خوفا أن يفهم أحد من العوام من الاختلاف خلاف المراد وقد كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى يقول لا تقولوا اختلف العلماء في كذا وقولوا قد وسع العلماء على الأمة بكذا ومن الدليل على صحة مرتبتي الميزان أيضا من قول الأئمة قول إمامنا الشافعي وغيره رضي الله عنهم أن إعمال الحديثين أو القولين بحملهما على حالين أولى من إلغاء أحدهما فعلم أن من طعن في صحة هذه الميزان لا يخلو إما أن يطعن فيما شددت فيه أو خففت فيه لكون إمامه قال بضده فقل له إن كلا من هذين الأمرين جاءت به الشريعة وإمامك لا يجهل مثل ذلك فإذا أخذ إمامك بتخفيف أو تشديد فهو مسلم لمن أخذ بالمرتبة الأخرى ضرورة فيجب على كل مقلد اعتقاد أن إمامه لو عرض عليه حال من عجز عن فعل العزيمة التي قال هو بها لأفتاه بالرخصة التي قال بها غيره اجتهادا منه لهذا العاجز لا تقليد لذلك الإمام الذي قال بها أو كان يقر ذلك المجتهد على الفتوى بها وكل من أمعن النظر في كلام الأئمة المجتهدين رضي الله عنهم وجد كل مجتهد يخفف تارة ويشدد أخرى بحسب ما ظفر به من أدلة الشريعة فإن كل مجتهد تابع لما وجد من كلام الشارع لا يخرج في استنباطه عنه أبدا وغاية كلام المجتهد أنه أوضح كلام الشارع للعامة بلسان يفهمونه لما عندهم من الحجاب الذي هو كناية هنا عن عدم التوفيق لما يحتاج إليه من طرق الفهم الذي يفتقر معه إلى توفيق كلام أحد من الخلق سوى كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابت عنه ولو أن حجابهم رفع لفهموا كلام الشارع كما فهمه المجتهدون ولم يحتاجوا إلى من يشرحه لهم وقد قدمنا آنفا أن أحدا من المجتهدين لم يشدد في أمر أو يخفف فيه إلا تبعا للشارع فما رأى الشارع شدد فيه شدد وما رآه خفف فيه خفف قياما بواجب شعائر الدين سواء أوقع التشديد في فعل الأمر أم اجتناب النهي وجميع المجتهدين على ذلك كما يعرفه من سير مذاهبهم وإيضاح ذلك أن كلما
صفحه ۲۸