في كتبهم فما سمينا مرتبة التخفيف رخصة إلا بالنظر لمقابلها من التشديد أو الأفضل لا غير وإلا فالعاجز لا يكلف بفعل ما هو فوق طاقته شرعا وإذا لم يكلف بما فوق طاقته فما بقي إلا أن يكون فعل الرخصة في حقه واجبا كالعزيمة في حق القوي فلا يجوز للعاجز النزول عن الرخصة إلى مرتبة ترك الفعل بالكلية كما إذا قدر فاقد الماء المطلق على التراب لا يجوز له ترك التيمم وكما إذا قدر العاجز عن القيام في الفريضة على الجلوس لا يجوز له الاضطجاع أو قدر على الاضطجاع على اليمين أو اليسار لا يجوز له الاستلقاء أو قدر على الاستلقاء لا يجوز له الاكتفاء بنحو الايماء بالعينين أو قدر على الايماء بالعينين لا يجوز له الاكتفاء بإجراء أفعال الصلاة على قلبه كما هو مقرر في كتب الفقه فكل مرتبة من هذه المراتب بالنظر لما قبلها كالعزيمة مع الرخصة لا يجوز له النزول إليها إلا بعد عجزه عما قبلها والله أعلم والحمد لله رب العالمين * (فصل) * ثم لا يخفى عليك يا أخي إن كل من فعل الرخصة بشرطها أو المفضول بشرطه فهو على هدى من ربه في ذلك ولو لم يقل به إمامه على ما يأتي في الفصول الآتية من التفصيل كما أن من فعل العزيمة أو الأفضل بكلفة ومشقة فهو على هدى من ربه في ذلك ولو لم يكلفه الشارع بذلك من حيث عظم المشقة فيه اللهم إلا أن يأتي عن الشارع ما يخالف ذلك كقوله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصيام في السفر فإن الأفضل للمسافر في مثل ذلك الفطر للضرر الحاصل به ومن المعلوم أن من شأن الأمور التي يتقرب به إلى حضرة الله تعالى أن تكون النفس منشرحة بها محبة لها غير كارهة وكل من يأتي بالعباد كارها لها أي من حيث مشقتها فقد خرج عن موضوع القرب الشرعية المتقرب بها إلى حضرة الله عز وجل لا سيما في مثل المسألة التي نحن فيها فإنه صلى الله عليه وسلم نفى البر والتقرب إلى الله تعالى بالصوم الذي يضر بالمسافر ونحن تابعون للشارع ما نحن مشرعون فلا ينبغي لأحد التقرب إلى الله تعالى إلا بما أذن له الشارع فيه وانشرحت نفسه به من سائر المندوبات وما لم يأذن فيه فهو إلى الابتداع أقرب وما كل بدعة يشهد لها ظاهر الكتاب والسنة حتى يتقرب بها وتأمل يا أخي نهى الشارع عن الصلاة حال النعاس تعرف ذلك لأن النعاس إذا غلب على العبد وتكلف الصلاة صارت نفسه كالمكره عليها ولا يخفى ما في ذلك من نقص الثواب المرتب على محبة الطاعة فاعلم ذلك يا أخي واعمل بالرخص بشرطها فإن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه كما صرح به الحديث الذي رواه الطبراني وغيره والحمد لله رب العالمين * (فصل) * إن قال قائل فعلى ما قررتم فهل رأيتم في كلام أحد من العلماء ما يؤيد هذه الميزان من حمل كلام الأئمة على حالين ورده إلى الشريعة قلنا نعم ذكر الشيخ محيي الدين في الفتوحات المكية وغيره من أهل الكشف أن العبد إذا سلك مقامات القوم متقيدا بمذهب واحد لا يرى غيره فلا بد أن ينتهي به ذلك المذهب إلى العين التي أخذ إمامه منها أقواله وهناك يرى أقوال جميع الأئمة تغترف من بحر واحد فينفك عنه التقيد بمذهبه ضرورة ويحكم بتساوي المذاهب كلها في الصحة خلاف ما كان يعتقد قبل ذلك
صفحه ۱۶