الثاني: أنه ليس الأمر بالنظر أمر بالشك ولا يستلزمه.
أما الأول فلأن الأمر بالكيفية ليس هو الأمر بالمكيف فضلا عن غيره، وأما لا يستلزمه فلأنه ليس من مقدماته وغير ممتنع بدونه.
إذا تأملت ذلك عرفت أنه بهتهم بهذه الفاقرة من غير بيان ولا مأخذ ولو دق مسلكه إلا مجرد الكذب ورمي الغافل بمحض الباطل، هذا وقد تمسك القائل بعدم وجوب النظر بشبه، منها:
[الأولى]: أن النظر لا يفيد العلم.
الثانية: أن النظر المفيد للعلم غير مقدور لنا.
الثالثة: أنه لا يجوز الإقدام عليه؛ لأنا لا نأمن عاقبته.
الرابعة: أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به.
الخامسة: أنه بدعة.
وقد احتجوا على هذه الشبه [بحجج] تركنا نقلها لأنها تظهر في تأمل الجواب الجملي فنقول:
الجواب عن هذه الشبه التي تمسكوا بها في أن النظر لا يفيد العلم فهي فاسدة؛ لأن الشبه التي ذكروها ليست ضرورية بل نظرية فهم أبطلوا كل النظر ببعض أنواعه وهو متناقض.
وأما الشبه في أن النظر غير مقدور فهي فاسدة؛ لأنهم مجازون في استخراج تلك الشبه فبطل قولهم أنها ليست اختيارية.
وأما الشبه التي تمسكوا بها في أن التعويل عليه قبيح فهي متناقضة أيضا؛ لأنه يلزمهم أن يكون إيرادهم لهذه الشبه قبيحا.
وأما الشبه في أن النبي صلى الله عليه وآله لم يأمر به فذلك باطل؛ لأنا قد بينا أن الأنبياء بأسرهم ما جاؤا إلا بالأمر بالنظر والاستدلال.
وأما قوله تعالى: {ما ضربوه لك إلا جدلا}[الزخرف:58] فهو محمول على الجدل بالباطل لتأتلف الآيات هذه، وقوله: {وجادلهم بالتي هي أحسن}[النحل:125].
وأما قوله: {وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم}[الأنعام:68] فالجواب: إن الخوض هنا هو التعنت واللجاج لا النظر.
وأما قوله صلى الله عليه وآله: ((تفكروا في الخلق)) فذاك إرشاد لعباده طريق معرفة الخالق وهو المطلوب مع أن فيه الأمر بالتفكر.
صفحه ۹۳