وأما قولكم: أنه صلى الله عليه وآله أمرنا بدين العجائز فإن صح فليس المراد منها إلا تفويض الأمور كلها إلى الله سبحانه والاعتماد في كل الأمور عليه.
وأما قولكم: أنه صلى الله عليه وآله قال: ((إذا ذكر القدر فامسكوا)). فضعيف؛ لأن النهي الجزئي لا يفيد النهي الكلي ولأنه قد علم الله أنكم تقولون إنه قدر عليكم المعاصي فنهاكم عن قول القدرية.
وأما الإجماع فنقول: إن عنيتم أن الصحابة لم يستعملوا ألفاظ
المتكلمين فمسلم لكنه لا يلزم منه القدح في الكلام، كما أنهم لم يستعملوا ألفاظ الفقهاء ولا ألفاظ المحدثين واصطلاحاتهم في طرق الأخبار، وإن عنيتم أنهم ما عرفوا الله بالدليل فبئس ما قلتم أو عرفوه إلهاما فلم تكلف النبي صلى الله عليه وآله دعاهم، والله تعالى يقول عنه: {وما أنا من المتكلفين}[ص:86] وأما تشديد السلف على الكلام فإن صح فعلى أهل البدعة.
[التحسين والتقبيح العقليان]
[ابن الوزير] قال رحمه الله : وقولهم: إن جميع الواجبات وجبت لأنفسها وجميع المحرمات كذلك من غير إيجاب موجب ولا تحريم محرم وأن الله غير مختار في التحليل والتحريم وإنما هو حاكي فقط. انتهى.
[المؤلف] الجواب: أقول: لم أطلع على مأخذ هذا الإلزام إلا أن يكون من قول أبي القاسم البلخي والإمامية وبعض الفقهاء أن القبيح يقبح لعينه فيلزم أن الحسن يحسن لنفسه، وروى أبو مضر عن أهل البيت" أنهم يقولون: إن الشرعيات من العبادات ونحوها وجبت عقلا كالعقليات سواء، والسمع إنما كان شرطا للأداء لا للوجوب، قال الشرفي: وهو معنى كونها وجبت شكرا. انتهى.
قلت: واعلم أن قولنا بوجوب شكر المنعم عقلا وأن الأعمال من الإيمان الذي هو معنى الشكر هو معنى قولنا وجبت التكاليف الشرعية عقلا -أعني جملتها- وامتثال أوامر الشارع والشرع قرر ما عند العقل وبين كيفية مراد الله تعالى من شكره وذلك ظاهر لخلقه العباد على فطرة الإسلام.
صفحه ۹۴