علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
ژانرها
ولذلك تحوم صرخة أصحاب الدعوة الاشتراكية حول نقطة حق الاسترزاق؛ أي أن يكون الاسترزاق حقا لكل فرد على المجتمع، أو على الحكومة التي تدير المجتمع، ولا يتسنى الحصول على الحق إلا بحيازة الحكومة جميع ضروب الأعمال لكي توزعها على العاملين. وهذا هو النظام الاشتراكي بعينه؛ لذلك يعد هذا الحق ضائعا ما دام النظام الفردي مستفحلا.
وأما اهتمام بعض الحكومات أو بعض الجمعيات أو بعض أصحاب الأعمال في إيجاد أعمال للعمال العاطلين في بعض الأحيان، فلا يعد تسليما بهذا الحق للمسترزقين أو تقريرا له كحق شرعي، بل يعد من قبيل الإحسان والرحمة، ولا يعد حق الاسترزاق شرعيا إلا حين يصبح شريعة على نحو ما تقدم. (3) حق الحرية
لقد علمت فيما مضى أن تحقيق المثل الأعلى الأدبي يتوقف على إرادة الفرد الحسنة؛ ولذلك يجب أن يكون الفرد حر الإرادة لكي يسعى ويعمل لأجل المثل الأعلى. وقد بحثنا في فصل سابق عن معنى الحرية وحدودها، فليراجع هناك. وأما هنا، في سياق البحث في الحق والواجب، فنقول: إن حق الحرية الشخصية يجب أن يكون مرافقا للحق بالحياة، ولكنه في تاريخ التمدن جاء متأخرا عنه، فبعد أن امتنعت الأمم عن قتل الأسرى في الحروب كتسليم بحق الحياة للفرد، بقي الرق زمنا طويلا، وما ألغي الرق والنخاسة إلا في القرن الماضي؛ إذ عم الاعتراف بحق الحرية لكل فرد.
ولكن بقي إلى الآن نوع من الرق لا يقل حيفا عن الرق المعروف، وهو رق العامل لصاحب العمل، وتدخل المتمول في حرية العامل في دائرة سلوكه للحرص على حياته. وقد بحثنا مليا في أن الحرية المطلقة مستحيلة؛ إذ لا يستطيع الإنسان أن يفعل كل ما يلذ له أن يفعله، فحق الحرية الذي يجوز للإنسان أن يتمتع به منحصر في دائرة عمله الذي يرمي إلى ترقية نفسه بحسب سنن المجتمع.
وحق الحرية هذا يوجب على الفرد أن يستعمله في الغايات الحسنة المعقولة؛ لكي يكون عمله مطابقا لمصلحة المجتمع، وبشرط ألا يعرقل حرية الآخرين أو ينقضها، إلا إذا كانت هذه العرقلة مساعدة للآخرين في ترقية أنفسهم الأدبية، فيحق لك أن تحول دون انغماس شخص في الفساد، أو أن تمنع استبعاد شخص لشخص آخر، أو أن تقاوم استبداد الظالم، أو أن تتلافى الدعارة أو نحو ذلك. وحاصل القول أنه يجب عليك أن تعامل الأشخاص كأشخاص اجتماعيين لا كأنهم أمتعة وسلع. (4) حق المساواة
هذا الحق يتصل بحق الحرية، وهو ناشئ من نسبة الفرد للمجتمع كعضو فيه، فإذا كان كل فرد جزءا من المجتمع لازما له، فهو كغيره ذو حق بالتمتع بجميع مزايا المجتمع، كما أن عليه واجب الخضوع لأنظمة المجتمع كسائر الأفراد، فكما أنه مساو لهم في هذا الخضوع يجب أن يكون مساويا لهم في التمتع بثمرات المجتمع، لا يختلف عنهم إلا بمقدار ما يستحقه من هذه الثمرات.
لم يكن هذا الحق معترفا به حتى القرن الأخير؛ فقد كان لطبقة الأعيان امتيازات ليست للعامة. وبعد الثورة الفرنسية صرح بحق المساواة - والحرية والإخاء - للجميع. وكان هذا الحق مقصورا على الذكور إلى عهد غير بعيد، وأما الآن فقد أخذت معظم الأمم تجيزه للنساء أيضا. (5) الحق السياسي
حق المساواة جر معه الحق السياسي، وهو أن تكون الآلة السياسية مدارة بإرادة الجمهور لا بإرادة أفراد ممتازين. وقد تأيد هذا الحق في نوع الحكم الديموقراطي المستند على الرأي الاجتماعي الغالب. وبموجب هذا الحق صار لكل فرد حق الانتخاب، ولكنه لا يزال في جانب من الأمم غير مطلق؛ ففي بعضها يحرم منه فريق من العامة كمنتخبين ومنتخبين، وفي بعضها يحرم فريق كمنتخبين فقط، على أنه كحق أدبي يجب أن يعم كل فرد بالغ ذكرا وأنثى. (6) حق التعليم
تأخر ظهور ذينك الحقين السابقين بسبب تأخر تعميم التعليم؛ لأن الأهلية لهما تستلزم المعرفة، فكان يحرم منهما من كان عديم المعرفة أو قليلها؛ ولذلك لكل فرد حق بالتعلم لكي يحصل عليهما، ما دام هو جزءا في ذلك الكل، وعليه من الواجبات والخضوع للنظام كما على غيره. لكل فرد حق أن يتعلم من علم الجماعة بقدر طاقته، وإلا كان مغبونا في تحمله المسئولية، وهو محروم حق التأهل للقيام بها.
ومن الظلم أن يعاقب المذنب عن جهل. نعم، إنه لا يتيسر لكل فرد أن يزكن جميع المعارف، وإنما له الحق بأن يجد جميع وسائل التعليم متيسرة له، فيتناول منها ما يستطيعه؛ لذلك جعلت الأمم الراقية التعلم إجباريا ومجانيا في الدرجات الأولى؛ لأنها اعترفت بهذا الحق العام، وكما أن للفرد حقا بالتعلم، عليه واجب أن يتعلم، فإذا أبى أن يتعلم كان مخلا بواجبه. (7) حق الملكية
صفحه نامشخص