علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
علم أدب النفس: أوليات الفلسفة الأدبية
ژانرها
ما دام النظام الاجتماعي فرديا لا اشتراكيا، والأفراد مضطرين إلى تنازع الرزق أو للتزاحم في أبوابه، فللفرد حق فيما يحصل عليه من عقار أو مرفق لقاء عمل يعمله، وللنظام الاجتماعي أن يحمي له هذا الحق، وإلا فإذا حرم حق امتلاك ما يحصل عليه، فلا يستطيع أن يكون جزءا صالحا في كل المجتمع، ولا يستطيع أن يسعى ويعمل إلى المثل الأعلى الأدبي الذي عليه أن يوجه مساعيه إليه. وهذا الحق يوجب على الفرد أن يستعمل ملكه بأسلوب يطابق مصلحة المجتمع.
ولكن هذا الحق يسقط إذا كان النظام اشتراكيا؛ إذ يصبح العقار والمرافق مشاعا، والعمل فيها موزعا على الأفراد، ونتيجته توزع الإنتاج حسب استحقاق العاملين. (8) حق التعاقد
كذلك ما دام النظام فرديا فللفرد حق التعاقد مع فرد آخر، وعلى كل منهما واجب تنفيذ العقد للآخر. وإنما يجب أن يكون التعاقد ضمن دائرة الحلال؛ أي إنه لا يجوز التعاقد فيما يناقض الحرية وسائر الحقوق الأخرى، فلا يصح التعاقد بين اثنين بحيث يكون الواحد رقيقا للآخر، أو أن يكون أحدهما مغبونا فيعطي أكثر مما يأخذ، أو أن يكون التعاقد على أمر مما يستحيل أو يتعذر على أحد الفريقين أن ينفذه. فلا يجوز أن تعقد اتفاقا مع عامل على أن يشتغل في النهار ساعات أكثر مما تستطيع القوة البشرية أن تفعل، ولا تصح المعاقدة مع غلام غير بالغ. كل هذه العقود باطلة لا لأنها غير شرعية فقط، بل لأنها غير أدبية لما فيها من الحيف والغبن. (9) حق العقيدة
وهناك حق حرية الفكر والرأي. وهو حق محدود، فيجوز لكل فرد أن يعتقد ما يشاء، والاختبار كفيل بأن يقرر صواب عقيدته أو ضلالها، وله أن ينشر عقيدته، إذا لم يكن في نشرها ما يقلقل نظام المجتمع، ويؤدي به إلى الفوضى، أو إذا كان فيها ما يناقض المبادئ الأدبية التي رسخت وأصبحت من أركان المثل العليا.
لحرية الفكر وبث الرأي شأن في رقي المجتمع؛ لأن التطور الاجتماعي السائر إلى المثل الأعلى إنما هو نتيجة ما يدخل إلى المجتمع من الآراء الجديدة التي تنقح العادات والتقاليد. ولا خطر من إطلاق حرية الرأي ما دام هناك عقل اجتماعي يزن، ورأي عام يؤيد أو ينبذ. وأما قتل حرية الفكر فيبلي المجتمع بالجمود والسكون، والسكون بؤرة للتعفن، فاستعمال الخرافات والأضاليل حول التقاليد المتقادمة عفونة ترد المجتمع إلى الوراء، وتبعده عن المثل الأعلى. (10) حق الطفولة
للأطفال الذين يتأهبون لأن يكونوا أعضاء صالحين في جسم المجتمع حقوق يخولهم إياها هذا التأهب. هم ضعاف قاصرون يحتاجون إلى الحضانة والتربية والتعليم. أما الحضانة ففي عواطف الوالدين ما يكفي لها، وأما التربية والتعليم فهما حق للأطفال على المجتمع برمته؛ لذلك جعل التعليم إجباريا ومجانيا، بحيث لا يعذر الوالدون إذا قصروا عن تعليم أولادهم، ويعاقبون إذا منعوهم عن التعلم.
كذلك للأطفال حق الحماية من الإجهاد قبل النضوج؛ فلا يجوز أن يستخدموا في عمل في وقت القصور؛ لئلا تستنفد قواهم ويتوقف نموهم، ولئلا يحرموا حقهم من العلم. (11) حق الجمهور على المجتمع
للجمهور الذي يخضع لنظام المجتمع، والذي يتعاون في الحرص على حياته، وعلى ترقيته، حقوق عامة على المجتمع لا يمكن الفرد أن يحصل عليها منفردا، كحق حفظ الصحة العمومية مثلا. فعلى حكومة المجتمع أن تقي صحة الجمهور من الأوبئة بالطرق المختلفة، وكحق توفير المتنزهات العمومية، وتنظيم المدينة ونظافتها، إلى غير ذلك مما لا يتسنى للفرد أن يقوم به، وكحق تلافي الحوادث الخطرة والكوارث ونحو ذلك مما لا داعي للتبسط به وهو معروف.
هذه أهم الحقوق والواجبات، فإذا تأملتها فهمت أن مجمل معناها هو أن لنا حقا بالوسائل اللازمة لترقية حياتنا الاجتماعية في أفضل سبيل إلى الخير الأعظم للجماعة التي نحن أعضاء فيها؛ ولذلك نحن ملزمون أن نستخدم هذه الوسائل في أفضل الأساليب التي تؤدي إلى هذه الغاية.
الفصل الرابع
صفحه نامشخص