جوهر الخطأ
أين يكمن جوهر الخطأ في تقييم د. زكريا للناصرية؟ لقد تناول التجربة في جوانبها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، غير أن نقده للجوانب الاقتصادية والاجتماعية جاء بعيدا عن روح المنهج العلمي.
في تقييم التطور الاقتصادي قال د. فؤاد زكريا: «لا أنكر أن هذه الصورة الكلية صحيحة ولكني لا أستطيع أن أعترف بنتيجتها ما لم يتحقق هذا التحول بمعاييره المعروفة.»
هل تكفي هذه الحجة للإخلال بالجوهر المعادي للرأسمالية في التجربة الناصرية، وهل يخل بهذا الجوهر أن تكون السياسة - على حد زعم الدكتور - «مغامرات وشراء للأعوان والأنصار في الداخل والخارج»!
كنت أتصور أن يحدد صاحب الدراسة حجم العلاقة بين رأس المال الخاص ورأس المال العام، وهو ما ذكره عرضا وأحجم عن مناقشته؛ لأنها مربط الفرس.
وفي الجانب الاجتماعي على الرغم من حجم المعاناة اليومية للكادحين، فلا شك أن قدرا ملموسا من التقدم قد تم، لو أتيح للدكتور منذ سنوات أن يقف إلى جوار سور حديقة الأزبكية لكان الحفاء واحدة من الظواهر اللافتة للنظر، ولعله يعرف أن برامج بعض الحكومات قبل الثورة كانت مقاومة الحفاء ... فهل حجم هذه الظاهرة لا زال يثير الانتباه؟
والتعليم، وإن بدا موقفه من الكم كريما، فإنه في نهاية الأمر، لا يعكس إلا رأي القادرين على قدر محدود من التسهيلات، أصبح متاحا الآن للمعدمين.
في النهاية، هل التقدم النسبي الذي تم في مجال الصحة والتأمينات الاجتماعية، والبطالة، وساعات العمل التي أصبحت 42 ساعة، يوم كان المطلب العالمي لأكثر الدول تقدما 40 ساعة ... هل كل هذه ظواهر لا تلفت النظر؟ ولا أريد أن يفهم من هذا أنه ليس لدى الفقراء هموم جدية، ولا تطلعات إنسانية ومشروعة، وأنه ليس هناك نضال لتحقيق هذه الأماني.
حتى لو سلمنا جدلا بصحة كل ما ذكره د. زكريا عن الجوانب السياسية، فإنني أؤكد على الجانب الاقتصادي والاجتماعي أنه هو العامل الحاسم.
إنني أدعو الدكتور إلى موازنة بين تجربتين متشابهتين إلى حد كبير هما التجربة الإندونيسية في ظل سوكارنو والمصرية في ظل عبد الناصر.
صفحه نامشخص