فتكلف الشاب ضحكة وقال: سأصحح جدول النساء في المستقبل!
وضحكوا جميعا، ثم غيروا مجرى الحديث، وانطوى على نفسه في غم وهم يعاني سكرات الهزيمة، تبرأ من فتاته وهو لا يدري! آه لو علموا أنها خطيبته وأنه استعصى عليه نيل قبلة منها بعد مثابرة عامين! طابع بلدي، ممتلئة أكثر مما ينبغي، قصيرة أكثر مما يستحب، دم ثقيل من رتبة لواء، أهذه بهية حقا؟! وهي إلى هذا كله دقة قديمة! لا يخلو هذا القول من حق؛ فهي لا تدري كيف تصحبه في الطريق، ولا كيف تحسن الحديث والدعابة، ولا يكاد يذكر من قولها إلا التأنيب والتذمر، كيف يسعه إذا تزوجها أن يظهر بها أمام الناس؟ سيقولون هذا وأكثر منه. وشعر بكرب وامتعاض، وغاب عما حوله غارقا في أفكاره، فلم ينتبه إلى وقوف الأتوبيس أمام محطة الكلية حتى نهض الطلبة قائمين.
66
وفي الأسبوع التالي صعد في الوقت المعتاد لزيارة فريد أفندي، وكان الأب وسالم الصغير في مشوار فجلس مع الأم وبهية، واستمتع بقدر من الحرية لا يتاح له بمحضر الأب. وبدت بهية في فستان بني تنبسط على أعلى صدره شبه مروحة من الحرير المزركش، ينغرز مقبضها أسفل البنيقة، وتنتشر أهدابها فوق الثديين، فلم يكن ينقصها إلى المعطف وتصبح متأهبة للذهاب معه إلى السينما إذا دعاها. ولكنه كان أبعد ما يكون عن التفكير في هذا، وكان صوت نفيسة لا يزال يطن في أذنيه وهي تقول له بعد أن أعطته نصف ريال لسهرته: هذا لفسحتك أنت وحدك!
ولكن لم تكن نفيسة كل شيء؛ كان في الواقع لا يجد الشجاعة للظهور معها مرة أخرى أمام زملائه، وبات يخجل منها وهو لا يدري. كان يحسبها أجمل فتاة، ولكنه لم يكن فتح عينيه بعد، وجاءت ملاحظات زملائه الساخرة آية على عماه! ورنا إليها فالتقت عيناهما، وهناك نسي أفكاره، وانبعثت حرارة دمه، واضطرمت به الرغبة مستهينة بكل شيء، مليحة شهية، لا يستطيع أن يماري في هذا ، ولكن كيف يتعامى عن هذه الحقيقة المرعبة، وهي أنه يتحاشى الظهور معها أمام الناس؟! وكانت الأم لا تمسك عن الحديث وهو يحاورها باقتضاب وشرود، حتى قالت له: مالك يا سي حسنين، كأنك مشغول البال!
فأفاق إلى نفسه مضطربا، وقال كالمعتذر: كان الأسبوع الماضي حافلا بالتمرينات القاسية حتى غادرنا الكلية كالأموات!
وواصل الحديث وهو أشد انتباها له، حتى استأذنت الأم لأداء الصلاة فخلا لهما الجو، وبادرته الفتاة قائلة: ما لك؟
فقال مبتسما ليذهب عنها الشك: لا شيء! - لست كعادتك!
وخطر له خاطر ماكر بعثه في نفسه خلو المكان، وعواطفه الثائرة فقال متظاهرا بالحزن: لا أنسى تحفظك معي؟ - أتعود إلى هذا؟ - طبعا! .. هذا حقي ولا أنزل عنه ما حييت.
فقالت الفتاة برجاء: حسبت أننا انتهينا من هذا! - إني في حيرة من أمرك، جميع زملائي لهم خطيبات مثلك، ولكنهن لا يحرمنهم حقوقهم من العناق والقبل.
صفحه نامشخص