فنهرتها أمها قائلة: لا تكوني عيابة وفيك كل العبر!
فقالت الفتاة ضاحكة: أنا على الأقل خفيفة، ولكن لك حق يا سي حسنين؛ فوجهي لم يخلق للسينما!
واعتذر لها ما وسعه الاعتذار، ولكنه شعر بندم كما يشعر الآن، وما ضره لو كان دعاها للذهاب معه؟! كان يستعيد ذكريات اليوم وهو واقف ينتظر، وما لبث أن انضم إليه كثيرون من زملائه، ثم جاء الأتوبيس فصعدوا إليه متزاحمين، ولحق بهم آخرون رأى بينهم بعض من قابلهم أمس في السينما فترجح لديه أنهم سيعلقون على فتاته؛ شأنهم في هذه الأحوال، وسر لذلك سرورا كبيرا، وانتظر على لهفة الحديث الذي سيكون دون جوابه. ولم يطل به الانتظار لأن أكثر من واحد منهم بدا متحفزا، فقال قائل منهم وهو يشير إليه: أما علمتم؟ .. رئي الصنديد أمس وفي يده فتاة!
وود أن يسمع الجميع وأن يخلصوا لحديثه وحده، وتساءل البعض: من أي نوع؟! - النوع البيتي. - جميلة؟
وتركز انتباه حسنين واشتد وعيه، أما المتحدث فقال: لها عينان زرقاوان، ولكن يغلب عليها الطابع البلدي!
وتصاعد الدم إلى وجهه، وشعر بفتور قضى في الحال على حماسه ونشوته، على حين واصل الآخرون حديثهم في ضحك وصخب: ممتلئة أكثر مما ينبغي، قصيرة أكثر مما يستحب! - ودمها ثقيل من رتبة لواء! - دقة قديمة على وجه العموم، أين وجدتها؟!
وأدرك أن السؤال الأخير موجه إليه، ولكنه لم ينبس بكلمة وجعل يضحك متظاهرا بالاستهانة، وهو يعاني شعورا جارحا بالخجل والقهر. وقال شاب بلهجة تنم على الإشفاق: احذر أن تكون خطيبتك!
واندفع قائلا بلا وعي تقريبا: كلا طبعا! - حبيبة؟!
فقال مدفوعا بمشاعر الألم والخذلان التي تصطرع في نفسه: نوع من التسلية، ليس إلا! - إذن فلا بأس بها، عذراء؟!
وأجاب باضطراب شديد: نعم. - خيب الله أملك! لماذا تنفق وقتك عبثا؟! ألم تدر بأن التقاليد تقضي بأن تكون ليلة الخميس للعشيقة، ويوم الجمعة للخطيبة أو من يقوم مقامها؟!
صفحه نامشخص