والخفيف والثقيل. ومن حيث الفصاحة يوجد ثلاث مراتب: الغريب الوحشي، والفصيح، والسوقي المبتذل. وخيرها اللفظ الفصيح الذي يقع وسطا بين الغريب الوحشي والسوقي المبتذل «وكما لا ينبغي أن يكون اللفظ عاميا وساقطا سوقيا، فكذلك لا ينبغي أن يكون غريبا وحشيا إلا أن يكون المتكلم بدويا أعرابيا، فإن الوحشي من المتكلم يفهمه الوحشي من الناس كما يفهم السوقي رطانة السوقي ...» «١» .
ومن صفات اللفظ الفصيح توافق الحروف ضمن الكلمة الواحدة. وقد لاحظ أبو عثمان أن في العربية حروفا لا تجتمع، فالجيم لا تقارن الطاء ولا القاف ولا الغين في تقديم أو تأخير، والزاي لا تقارن الطاء أو السين أو الضاد أو الدال بتقديم أو تأخير «٢» .
وتقتضي الفصاحة أيضا عدم تنافر الكلمات ضمن الجملة الواحدة. وإذا تنافرت الألفاظ صعب النطق بها وبدت غير متلائمة وغير متوافقة. من ذلك قول الشاعر:
وقبر حرب بمكان قفر ... وليس قرب قبر حرب قبر
وقد ظن البعض لجهلهم بعلم البلاغة أن هذا البيت من أشعار الجن لأن المرء لا يستطيع إنشاده ثلاث مرات في نسق واحد دون أن يتعتع أو يتلجلج «٣» .
ومقياس الفصاحة في نظر الجاحظ القرآن وكلام الأعراب، إذ فيهما تحققت الفصاحة بأعلى مستوياتها، فاعتبرا المثال الأعلى للكلام الفصيح.
فكل كلام أشبههما عدّ فصيحا، وكل كلام اختلف عنهما نأى عن الفصاحة.
يقول الجاحظ مشيرا إلى ذلك: «قال أهل مكة لمحمد بن مناذر الشاعر:
1 / 16