ليست الفصاحة لكم معاشر أهل البصرة لغة فصيحة، إنما الفصاحة لنا أهل مكة. قال ابن مناذر: أما ألفاظنا فأحكى الألفاظ للقرآن وأكثرها له موافقة، فضعوا القرآن بعد هذا حيث شئتم» «١» ويفهم من هذا أن الحكم في الخلاف بين فصاحة لغة أهل مكة والبصرة إنما هو القرآن. وكذلك الحال بالنسبة إلى لغة أهل البادية التي اعتبرت مرجعا في الفصاحة «وشأن عبد قيس عجب، وذلك أنهم بعد محاربة إياد تفرقوا فرقتين: ففرقة وقعت في عثمان وشق عمان، وهم خطباء العرب، وفرقة وقعت إلى البحرين وشق البحرين وهم أشعر قبيل العرب، ولم يكونوا كذلك حين كانوا في سرة البادية وفي معدن الفصاحة.
وهذا عجب» «٢» .
بعد دراسة اللفظ المفرد نصل مع الجاحظ إلى اللفظ المركب، ونلج باب البلاغة وقد استعرض صاحبنا مختلف التعريفات التي أعطيت للبلاغة، وقارن بين مفاهيمها عند الفرس والهنود واليونان والعرب. وفي ذلك دليل على شمول ثقافته وبعد نظرته. وقد استقى مفهوم البلاغة عند الفرس من معاصره الفارسي الأصل سهل بن هارون، واستقى مفهومها عند الهند من صحيفة بهلة الهندي معاصره أيضا، وأخذ مفهومها عند العرب عن صحار بن عباش العبدي في كلام له مع معاوية الذي سأله عن البلاغة فقال: الإيجاز. والإيجاز يعني الإجابة دون خطأ أو إبطاء. كما استشهد عليها بقول بعض الأعراب الذي سئل عن البلاغة فقال: الإيجاز في غير عجز والإطناب في غير خطل «٣» . ويفضل الجاحظ التعريف التالي للبلاغة: «وقال بعضهم- وهو أحسن ما اجتبيناه ودوناه- لا يكون الكلام يستحق اسم البلاغة حتى يسابق معناه لفظه ولفظه معناه، فلا يكون لفظه إلى سمعك أسبق من معناه إلى قلبك» «٤» . ومعنى ذلك أن الكلام
1 / 17