رسول الله، انزع ثنيتيه السفليين حتى يدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيبا أبدا، وإنما قال ذلك لأن سهيلا كان أعلم من شفته السفلى» «١» .
وأثر الأسنان في البيان أوضح وأقوى، فسقوط بعض الثنايا يشوه اللفظ وخير من سقوطها جميعا إذا استحال وجودها جميعا. وتدل الملاحظة والتجربة «على أن سقوط جميع الأسنان أصلح في الإبانة عن الحروف، منه إذا سقط أكثرها، وخالف أحد شطريها الشطر الآخر، وقد رأينا تصديق ذلك في أفواه قوم شاهدهم الناس بعد أن سقطت جميع أسنانهم وبعد أن بقي منها الثلث أو الربع» «٢» .
أما اللسان فهو آلة الكلام الرئيسية، وكلما كان سليما جاء اللفظ صحيحا، وكلما ازداد حجمه بحيث يصك جوانب الفم ويملأه لم يترك خلاء لمرور الهواء كان أوفى بالغاية. وفي هذا الرأي يوافق الجاحظ الفيلسوف اليوناني أرسطو، ويطبق ذلك على الإنسان والحيوان. يقول الجاحظ: «وقال أهل التجربة، إذا كانت في اللحم الذي في مغارز الأسنان تشمير وقصر سمك ذهبت الحروف وفسد البيان، وإذا وجد اللسان من جميع جهاته شيئا يقرعه ويصكه، ولم يمر في هواء واسع المجال وكان لسانه يملأ جوبه فمه، لم يضره سقوط أسنانه إلا بالمقدار المغتفر، والجزء المحتمل. ويؤكد ذلك قول صاحب المنطق، فإنه زعم في كتاب الحيوان أن الطائر والسبع والبهيمة كلما كان لسان الواحد منها أعرض كان أفصح وأبين وأحكى لما يلقن ولما يسمع كنحو الببغاء والغداف وغراب البين وما أشبه ذلك ...» «٣» .
ويقسم الجاحظ اللفظ إلى طبقات كما ينقسم الناس أنفسهم إلى طبقات فمنه الجذل والسخيف، ومنه المليح والحسن، ومنه القبيح والسمج،
1 / 15