وَوُجُود أَعْيَان مِنْهُم فِي كل مكرمَة على تعاقب الْأَعْصَار لَهُم عناية كَامِلَة ورغبة وافرة في دفن محَاسِن أكابرهم وطمس آثَار مفاخرهم فَلَا يرفعون إلى مَا يصدر عَن أعيانهم من نظم أَو نثر أَو تصنيف رَأْسا وَهَذَا مَعَ توفر رغباتهم إلى الِاطِّلَاع على مَا يصدر من غَيرهم والاشتغال الْكَامِل بِمَعْرِفَة أَحْوَال سَائِر الطوائف والإكباب على كتبهمْ التاريخية وَغَيرهَا وإني لأكْثر التَّعَجُّب من اخْتِصَاص الْمَذْكُورين بِهَذِهِ الْخصْلَة الَّتِى كَانَت سَببا لدفن سابقهم ولاحقهم وغمط رفيع قدر عالمهم وفاضلهم وشاعرهم وَسَائِر أكابرهم وَلِهَذَا أهملهم المصنفون في التَّارِيخ على الْعُمُوم كمن يترجم لأهل قرن من الْقُرُون أَو عصر من العصور وَإِن ذكرُوا النَّادِر مِنْهُم ترجموه تَرْجَمَة مغسولة عَن الْفَائِدَة عاطلة عَن بعض مَا يسْتَحقّهُ لَيْسَ فِيهَا ذكر مولد وَلَا وَفَاة وَلَا شُيُوخ وَلَا مسموعات وَلَا مقروءات وَلَا أشعار وَلَا أَخْبَار لِأَن الَّذين ينقلون أَحْوَال الشَّخْص إِلَى غَيره هم معارفه وَأهل بَلَده فإذا أهملوه أهمله غَيرهم وجهلوا أمره وَمن هَذِه الْحَيْثِيَّة تجدني في هَذَا الْكتاب إِذا ترجمت أحدًا مِنْهُم لم أدر مَا أَقُول لِأَن أهل عصره أهملوه فَلم يبْق لَدَى من بعدهمْ إِلَّا مُجَرّد أَنه فلَان بن فلَان لَا يدري مَتى ولد وَلَا فِي أَي وَقت مَاتَ وَمَا صنع فِي حَيَاته فَمن عرف مَا ذَكرْنَاهُ علم أَن المترجم لَهُ ﵀ قد أَجَاد في ذَلِك الْكتاب فِي كثير من التراجم وَكَانَ صَاحب التَّرْجَمَة من الْعلمَاء المشاركين فى فنون عدَّة وَله أبحاث ورسائل وقفت عَلَيْهَا وهي نفيسة ممتعة ونظمه ونثره في رُتْبَة متوسطة وَتوفى لَيْلَة الثُّلَاثَاء لَعَلَّه خَامِس ربيع الأول سنة ١٠٩٢ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَألف ورثاه جمَاعَة من الْفُضَلَاء
1 / 60