إلى آخر ما أودعه من النصيحة البليغة ، والسياسة العميقة ، ومصداق ذلك في قوله عز من قائل : (( يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )) فهذه عدة من كان قبلكم ، مقدمة عندهم على كل عدة ، ثم بعد ذلك يعدون لعدوهم ما استطاعوا من قوة
وهذه صفتهم في كتاب كتبه خالد بن الوليد إلى مرازبة الفرس مع ابن نفيلة الغساني ، قال رضي الله عنه : الحمد لله ، فض الله حرمتكم ، وفض جمعكم ، وأوهى بأسكم ، وسلب ملككم ، وأذل عزكم ، فإذا أتاكم كتابي هذا فابعثوا إلي بالرهن ، واعتقدوا منا الذمة ، وأجيبوا إلى الجزية ، وإلا والله الذي لا إله إلا هو ، لأسيرن إليكم بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة ، ويرغبون في الآخرة كما ترغبون في الدنيا .
وكان خالد يومئذ أميرا لأبي بكر رضي الله عنه على حرب العراق ، وهو الذي أوقع بالفرس الوقعة العظيمة في الأنبار ، قيل أنه قتل فيها من الفرس مائة ألف ، وكان ذلك قبل أن يتولى حروب الشام ، فبهذه الصفات اتصفوا ، وبهذه الأحوال تواصلوا ، (( ومن يتق الله يجعل له مخرجا )) (( ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب )) (( وما كان الله ليطلعكم على الغيب )) .
صفحه ۵۴