هذا كلامه ، وقد أحسن في التحذير ، لكنه أساء في التعبير ، وذلك قوله : ولا بد من كل أحد يأخذ نصيبه ، وفيصل وإن أحسن المدافعة الخطابية ، فقد أهمل أسباب الحزم ، باطراحه عوامل العدل ، وإلقاءه العداوة والبغضاء بين رعيته ، وإغفاله عن استعمال الصنائع المذكورة والآلات المعدودة ، وليته جمع الشمل ، وألف بين الرعية ، واستعمل التقوى في جميع تصرفاته ، فهي الحصن الذي لا يرام ، والسيف الذي لا يفل ، وما قهر أسلافكم ملوك الأكاسرة والقياصرة بكثرة عد ولا قوة عدد ، وإنما قهروهم باستعمال التقوى ، وحسن الصبر ، وقوة اليقين ، فلو تمسكتم بسيرتهم ظفرتم بما ظفروا . وأذكر لك قطعة من كتاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى عامله على حروب الفرس سعد بن أبي وقاص ، ومن معه من الأجناد ، قال رضي الله عنه : أما بعد فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو ، وأقوى المكيدة في الحروب ، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوهم ، وإنما ينصر الله المسلمون بمعصية عدوهم لله ، ولو لا ذلك لم تكن لنا بهم قوة ، لأن عددنا ليس كعددهم ، ولا عدتنا كعدتهم ، فإن استوينا في المعصية ، كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننصر عليهم بفضلنا ، لم نغلبهم بقوتنا ، فاعلموا أن عليكم في سيركم حفظة من الله ، يعلمون ما تفعلون ، فاستحيوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله ، وأنتم في سبيل الله ، ولا تقولوا إن عدونا شر منا ، فلن يسلط الله علينا ، فربما قوم سلط عليهم شر منهم ، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بما أسخط الله كفار المجوس ، فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ، واسألوا الله العون على أنفسكم ، كما تسألونه النصر على عدوكم ، أسأل الله ذلك لنا ولكم .
صفحه ۵۳