وتأمل قوله : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " ولم يقل : " بالصلاة " ، إعلاما منه بأن عينه لا تقر إلا بدخوله كما تقر عين المحب بملابسته لمحبوبه وتقر عين الخائف بدخول في محل أنسه وأمنه ، فقرة العين بالدخول في الشيء أم وأكمل مت قرة العين به قبل الدخول فيه ، ولما جاء إلى راحة القلب من تعبه ونصبه قال : " يا بلال أرحنا بالصلاة ".
لماذا الراحة بالصلاة ؟
أي أقمها لنستريح بها من مقاساة الشواغل كما يستريح التعبان إذا وصل إلى مأمنه ومنزله وقر فيه ، وسكن وفارق ما كان فيه من التعب والنصب.
وتامل كيف قال : " أرحنا بالصلاة " ولم يقل : " أرحنا منها " ، كما يقوله المتكلف الكاره لها ، الذي لا يصليها إلا على إغماض وتكلف ، فهو في عذاب ما دام فيها ، فإذا خرج منها وجد راحة قلبه ونفسه ؛ وذلك أن قلبه ممتلئ بغيره ، والصلاة قاطعة له عن أشغاله ومحبوباته الدنيوية ، فهو معذب بها حتى يخرج منها ، وذلك ظاهر في أحواله فيها ، من نقرها ، والتفات قلبه إلى غير ربه ، وترك الطمأنينة والخشوع فيها ، ولكن قد علم أنه لا بد له من أدائها ، فهو يؤديها على أنقص الوجوه ، قائل بلسانه ما ليس في قلبه ويقول بلسان قلبه حتى نصلي فنستريح من الصلاة ، لا بها.
فهذا لون وذاك لون آخر .
ففرق بين من كانت الصلاة لجوارحه قيدا ثقيلا ، ولقلبه سجنا ضيقا حرجا ، ولنفسه عائقا ، وبين من كانت الصلاة لقلبه نعيما ، ولعينه قرة ولجوارحه راحة ، ولنفسه بستانا ولذة.
فالأول : الصلاة سجن لنفسه ، وتقييد لجوارحه عن التورط في مساقط الهلكات ، وقد ينال بها التكفير والثواب ، أو ينال من الرحمة بحسب عبوديته لله تعالى فيها ، وقد يعاقب على ما نقص منها.
صفحه ۳۱