والقسم الآخر : الصلاة بستان له ، يجد فيها راحة قلبه ، وقرة عينه ، ولذة نفسه ، وراحة جوارحه ، ورياض روحه ، فهو فيها في نعيم يتفكه ، وفي نعيم يتقلب يوجب له القرب الخاص والدنو ، والمنزلة العالية من الله عز وجل ، ويشارك الأولين في ثوابهم ، بل يختص بأعلاه ، وينفرد دونهم بعلو المنزلة والقربة ، التي هي قدر زائد على مجرد الثواب.
من فوائد الصلاة القرب من الله
ولهذا تعد الملوك من أرضاهم بالأجر والتقريب ، كما قال السحرة لفرعون : { إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين} [الشعراء:41] ، { قال نعم وإنكم لمن المقربين} [الأعراف : 114].
فوعدهم بالأجر والقرب ، وهو علو المنزلة عنده.
فالأول : مثله مثل عبد دخل الدار ، دار الملك ، ولكن حيل بينه وبين رب الدار بستر وحجاب ، فهو محجوب من وراء الستر فلذلك لم تقر عينه بالنظر إلى صاحب الدار والنظر إليه ؛ لأنه محجوب بالشهوات ، وغيوم الهوى ودخان النفس ، وبخار الأماني ، فالقلب منه بذلك وبغيره عليل ، والنفس مكبة على ما نهواه ، طالبة لحظها العاجل.
فلهذا لا يريد أحد من هؤلاء الصلاة إلا على إغماض ، وليس له فيها راحة ، ولا رغبة ولا رهبة فهو في عذاب حتى يخرج منها إلى ما فيه قرة عينه من هواه ودنياه.
صفحه ۳۲