الشروع في بيان ثمرات الخشوع ولما اطمأن قلبه بذكر الله ، وكلامه ، ومحبته وعبوديته سكن إلى ربه ، وقرب منه ، وقرت به عينه فنال الأمان بإيمانه ونال السعادة بإحسانه ، وكان قيامه بهذين الأمرين أمرا ضروريا اه لا حياة له ، ولا فلاح ولا سعادة إلا به .
ولما كان ما بلي به من النفس الأمارة ، والهوى المقتضي لمرادها والطباع المطالبة ، والشيطان المغوي ، يقتضون منه إضاعة حظه من ذلك ، أو نقصانه ، اقتضت رحمة ربه العزيز الرحيم أن شرع له الصلاة مخلفة عليه ما ضاع عليه من ذلك ، رادة عليه ما ذهب منه ، مجددة له ما ذهب من عزمه وما فقده ، وما أخلق من إيمانه ، وجعل بين كل صلاتين برزخا من الزمان حكمة ورحمة ، ليجم نفسه ، ويمحو بها ما يكتسبه من الدرن ، وجعل صورتها على صورة أفعاله ، خشوعا وخضوعا وانقيادا وتسليما وأعطى كل جارحة من جوارحه حظها من العبودية ، وجعل ثمرتها وروحها إقباله على ربه فيها بكليته ، وجعل ثوابها ومحلها الدخول عليه تبارك وتعالى ، والتزين للعرض عليه تذكيرا بالعرض الأكبر عليه يوم القيامة.
لكل شيء ثمرة وثمرة الصلاة الإقبال على الله
وكما أن الصوم ثمرته تطهير النفس ، وثمرة الزكاة تطهير المال ، وثمرة الحج وجوب المغفرة ، وثمرة الجهاد تسليم النفس إليه ، التي اشتراها سبحانه من العباد ، وجعل الجنة ثمنها ؛ فالصلاة ثمرتها الإقبال على الله ، وإقبال الله سبحانه على العبد ، وفي الإقبال على الله في الصلاة جميع ما ذكر من ثمرات الأعمال وجميع ثمرات الأعمال في الإقبال على الله فيها.
ولهذا لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم : جعلت قرة عيني في الصوم ، ولا في الحج والعمرة ، ولا في شيء من هذه الأعمال وإنما قال : " وجعلت قرة عيني في الصلاة ".
صفحه ۳۰