وفي إعادة كل قول أو فعل من العبودية والقرب ، وتنزيل الثانية منزلة الشكر على الأولى ، وحصول مزيد خير وإيمان من فعلها ، ومعرفة وإقبال وقوة قلب ، وانشراح صدر وزوال درن ووسخ عن القلب بمنزلة غسل الثوب مرة بعد مرة .
فهذه حكمة الله التي بهرت العقول حكمته في خلقه وأمره ، ودلت على كمال رحمته ولطفه ، وما لم تحط به علما منها أعلى وأعظم وأكبر وإنما هذا يسير من كثير منها.
فلما قضى صلاته وأكملها ولم يبق إلا الانصراف منها ، فشرع الجلوس في آخرها بين يدي ربه مثنيا عليه بما هو أهله ، فأفضل ما يقول العبد في جلوسه هذه التحيات التي لا تصلح إلا لله ، ولا تليق بغيره.
عبودية الجلوس للتشهد ومعنى التحيات
ولما كان من عادة الملوك أن يحيوا بأنواع التحيات من الأفعال والأقوال المتضمنة للخضوع لهم ، والذل ، والثناء عليهم وطلب البقاء ، والدوام لهم ، وأن يدوم ملكهم.
فمنهم : من يحيي بالسجود ومنهم من يحيي بالثناء عليه
ومنهم : من يحيي بطلب البقاء ، والدوام له .
ومنهم : من يجمع له ذلك كله فيسجد له ، ثم يثني عليه ، ثم يدعي له بالبقاء والدوام.
وكان الملك الحق المبين ، الذي كل شيء هالك إلا وجهه سبحانه أولى بالتحيات كلها من جميع خلقه ، وهي له بالحقيقة وهو أهلها ؛ ولهذا فسرت التحيات بالملك ، وفسرت بالبقاء والدوام ، وحقيقتها ما ذكرته ، وهي تحيات الملك والملك والمليك.
صفحه ۲۳