ولما وصف العبد ربه بتفرده بملك يوم الدين وهو الملك الحق ، مالك الدنيا والآخرة ؛ وذلك متضمن لظهور عدله ، وكبريائه وعظمته ، ووحدانيته ، وصدق رسله ، سمى هذا الثناء مجدا فقال : " مجدني عبدي " فإن التمجيد هو : الثناء بصفات العظمة ، والجلال ، والعدل ، والإحسان .
عبودية { إياك نعبد }
فإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } انتظر جواب ربه له : " هذا بيني وبين عبدي ، ولعبدي ما سأل ".
وتأمل عبودية هاتين الكلمتين وحقوقهما ، وميز الكلمة التي لله سبحانه وتعالى ، والكلمة التي للعبد ، وفقه سر كون إحداهما لله ، والأخرى للعبد ، وميز بين التوحيد الذي تقتضيه كلمة { إياك نعبد } والتوحيد الذي تقتضيه كلمة { وإياك نستعين } ، وفقه سر كون هاتين الكلمتين في وسط السورة بين نوعي الثناء قبلهما ، والدعاء بعدهما ، وفقه تقديم { إياك نعبد } على { وإياك نستعين } ، وتقديم المعمول على العامل مع الإتيان به مؤخرا أوجز وأخضر ، وسر إعادة الضمير مرة بعد مرة .
تقديم العبادة على الاستعانة
قلت : أراد تقديم العبادة وهي العمل على الاستعانة ، فالعبادة لله والاستعانة للعبد ، فالله هو المعبود ، وهو المستعان على عبادته ، فإياك نعبد ؛ أي إياك أريد بعبادتي ، وهو يتضمن العمل الصالح الخالص ، والعلم النافع الدال على الله ، معرفة ومحبة ، وصدقا وإخلاصا ، فالعبادة حق الرب تعالى على خلقه ، والاستعانة تتضمن استعانة العبد بربه على جميع أموره ، وهي القول المتضمن قسم العبد.
فكل عبادة لا تكون لله وبالله فهي باطلة مضمحلة ، وكل استعانة تكون بالله وحده فهي خذلان وذل.
وتأمل علم ما ينفع العباد وما يدفع عنهم كل واحد من هاتين الكلمتين من الآفة المنافية للعبودية نفعا ودفعا وكيف تدخل العبد هاتان الكلمتان في صريح العبودية.
صفحه ۱۵