إذا عرفت هذا فاعلم أنه لا خلاف أن العقل يستقل عن السمع، بمعرفة الله تعالى وتوحيده ودلالة المعجزة على صدق مدعي النبوة، ولا خلاف في استقلاله بمعرفة حسن الشيء بكونه صفة لكمال كالعلم، أو نقص كالجهل، أو بمعنى ملائمته للطبع كالملاذ ومنافرته له كالألم.
قلت: والتحقيق أن ما كان بمعنى الملاءمة، أو المنافرة فليس بعقلي إذ يدركهما العاقل وغيره، ولو سلم فقول المهدي إنه يلزم قبح بعض المحسنات كالفصد وحسن ما يلتذ به من المقبحات كالظلم مدفوع باعتبار قيد الحيثية، فإن النفرة من الفصد من حيث التألم له، ولا يختص بذلك العقلاء وحسنه من حيث معرفة نفعه، وحسن الظلم من حيث الالتذاذ به لا من حيث كونه ظلما، وهو وجه قبحه، قال أئمتنا عليهم السلام: ويستقل العقل بمعرفة حسن الفعل وقبحه باعتبار كونه متعلقا للمدح والثواب، أو للذم والعقاب في العاجل، وباعتبار كونه متعلقا للمدح والثواب أو للذم والعقاب في العاجل والآجل؛ لأن ذلك هو المعلوم من تصويب العقلاء لمن مدح المحسن، أو أحسن إليه، أو ذم المسيء، أو عاقبه، وإن تراخى ذلك، وليس ذلك بتأديب الشرع، وإلا لما استوى فيه الموحد والملحد.
(الإمام أحمد بن سليمان): ألا ترى أن الملحد لو رأى صبيا يريد أن يتردى في بئر، أو يتناول ما يضره لمنعه واستحسن منعه واستقبح تركه، وليس ذلك أيضا لرجاء الثواب.
(السيد مانكديم): لأنا نفرض ذلك في ملحد لا يؤمن بالله واليوم الآخر ومعلوم أنه والحال هذه يستحسن إرشاد الضال وليس ذلك إلا لحسنه عنده، وكونه إحسانا.
صفحه ۲