وأما ما قيل من أن هذه قضايا مشهورة، وآراء محمودة تنغرس في الصبا وأوائل النشوء، وربما يكون سببها التسالم والمعاشرة، وليست أمورا بديهية، فقد أجاب عنه (ي)، والسيد أحمد بن محمد الشرفي بما حاصله: أنكم إن أردتم بقولكم أنها مشهورة أن العقول قاضية بحسنها وقبحها، فهو المطلوب بقولنا أنها ضرورية، وإن أردتم أنها مستفيضة فيما بينهم وحسنها متغرس في قلوبهم، من غير علم بحسنها وقبحها ولا ثقة بذلك، فهو باطل للقطع بقبح الظلم ونحوه، وبوجوب القضاء وشكر المنعم ونحوهما كالقطع بسائر العلوم البديهية نحو كون العشرة أكثر من الخمسة، ونعلم أن المخالف يعلم بضروة عقله الفرق بين من أحسن إليه، وبين من أساء إليه وبين الظلم والعدل والجور، ومن أنكر ذلك فهو مكابر، مع أن كلامنا معهم كما قال (ي) ليس إلا في كون هذه القضايا مقررة في الأذهان، متحققة في العقول؛ فإذا ساعدونا على ذلك فقولهم بعده أنها قضايا مشهورة تنغرس في الصبا، وأوائل النشوء لا يضرنا بعد تسليم، كونها عقلية.
(الأمير الحسين): والعقلاء يعلمون بعقولهم التفرقة بين من قطع يده، لا لغرض وبين من قطعها؛ لمنع سراية الجراحة المؤدية إلى هلاكه، ويمدحون على الأول، ويذمون على الثاني مع اشتراك الفعلين في النفور منه، وليس ذلك إلا لعلمهم بقبح إحدهما دون الآخر، وهذا أمر لا يرده إلا مكابر.
صفحه ۳