... إن المثل الأعلى في هذا المقام يراد به الوصف الأعلى الذي ليس لغيره تعالى مثله وقد وصف به وعرف في السماوات والأرض على ألسنة الخلائق ألسنة الدلائل الدالة على عظمته الدالة على وحدانيته وعظمته وقهره وملكوته وعزته وجبروته بأنه القادر الذي لا يعجز عن شيء في إنشاء وإعادة وغيرها من المقدورات ويدل عليه قوله تعالى: (وهو العزيز الحكيم) أي القادر لكل مقدور حكيم الذي يجري كل فعل على قضايا حكمته وعلمه وعن مجاهد أن المثل الأعلى قول لا إله إلا الله ومعناه أن الوصف الأعلى الذي هو الوصف بالوحدانية ويعضده قوله تعالى: (ضرب لكم مثلا في أنفسكم) وقال الزجاج: وله المثل الأعلى في السماوات والأرض أي قوله تعالى: (وهو أهون عليه) قد ضربه لكم مثلا فيما يصعب ويسهل هذا الذي أفاده جار الله الزمخشري في تفسيره الآية ويحتمل أن يكون أراد بالمثل الأعلى المقام الأعلى الذي لا يماثل ولا يطاول ولا يشابه أو أنه أراد بالمثل هذا الواحد من الأمثال التي يضربها للناس كما عنا الزجاج ولا يشاركه الخلق في هذا المثل ولذلك وصفه بالأعلى كما لا يشاركون في سائر صفاته وكمالاته وإمام يقوله خطباء العصر من أنهم يهدفون إلى المثل العليا فإنه يعنون بذلك أنهم يرمون إلى معالي الأمور دون سفسافها فالمثل هنا جمع مثال ولم يريدوا إنهم يهدفون لإلى المثل الأعلى الذي اختص به الله جل جلاله وأخبرنا أنه له لا لغيره فلا يشكل عليك ذلك فقهك الله في الدين وهداك صراط الحق المبين والله أعلم وليس لصاحب العلم أن يقول إني اجتهد حتى أنال المثل الأعلى وإنما له أن يقول: حتى أنال المثال العالي أو المثل العليا التي عناها الخباء والفرق بين المثال والمثل محركا واضح لا إشكال فيه فإن أردت المزيد في هذا فعليك بشيخك الدراكة الزاملي فإنه من اندفع في المضايق حتى استخرج الحقائق وقد عهدته في التفسير لا يبارى ولا يجارى.
صفحه ۱۶