والذي يتحفظ بقليد المستولي من قوانين الشرع سبعة: أَحَدُهَا: حِفْظُ مَنْصِبِ الْإِمَامَةِ فِي خِلَافَةِ النُّبُوَّةِ، وتدبير أمور الملة. الثاني: ظهور الطاعة التي يزول معها حكم العناد، وينتفى بها مأثم المباينة. الثالث: اجتماع الكلمة على الألفة والتناصر، ليكون المسلمون يدًا على من سواهم. الرابع: أن تكون عقود الولايات الدينية جائزة، وأحكام القضاة نافذة فيها. الخامس: أن يكون استيفاء الأموال بحق، على وجه يبرأ منه المؤدي لها. السادس: أن تكون الحدود مستوفاة بحق. السابع: أن يكون حافظًا للدين، يأمر بحقوق الله، ويدعو إلى طاعته من عصى. فإذا كملت فيه شروط الاختيار كان تقليده حتمًا، استدعاء لطاعته، ودفعًا لمشاقته، وَصَارَ بِالْإِذْنِ لَهُ نَافِذَ التَّصَرُّفِ فِي حُقُوقِ الملة، وأحكام الأمة، وجاز له أَنْ يَسْتَوْزِرَ وَزِيرَ تَفْوِيضٍ وَوَزِيرَ تَنْفِيذٍ.
فَإِنْ لم يكمل في المستولى شروط الاختيار جاز إظْهَارُ تَقْلِيدِهِ اسْتِدْعَاءً لِطَاعَتِهِ، وَحَسْمًا لِمُخَالَفَتِهِ وَمُعَانَدَتِهِ، وكان نفوذ تصرفه في الحقوق والأحكام موقوفا على أن يستنيب لهم الخليفة فيها من قَدْ تَكَامَلَتْ فِيهِ شُرُوطُهَا، لِيَكُونَ كَمَالُ الشُّرُوطِ فيمن أضيف إلى نيابته جبرانًا لِمَا أَعْوَزَ مِنْ شُرُوطِهَا فِي نَفْسِهِ، فَيَصِيرُ التقليد للمستولى، والتنفيذ من المستناب، لأن الضَّرُورَةَ تُسْقِطُ مَا أَعْوَزَ مِنْ شُرُوطِ الْمُكْنَةِ. وإذا صَحَّتْ إمَارَةُ الِاسْتِيلَاءِ كَانَ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ إمَارَةِ الِاسْتِكْفَاءِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ إمارة الاستيلاء متعينة في المستولى، وإمارة الاستكفاء مقصورة على اختيار المستكفى. الثاني: أَنَّ إمَارَةَ الِاسْتِيلَاءِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي غلب عليها المستولي، وَإِمَارَةَ الِاسْتِكْفَاءِ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْبِلَادِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا عهد المستكفي. الثالث: إمَارَةَ الِاسْتِيلَاءِ تَشْتَمِلُ عَلَى مَعْهُودِ النَّظَرِ وَنَادِرِهِ، وَإِمَارَةُ الِاسْتِكْفَاءِ مَقْصُورَةٌ عَلَى مَعْهُودِ النَّظَرِ دُونَ نادره. الرابع: أَنَّ وَزَارَةَ التَّفْوِيضِ تَصِحُّ فِي إمَارَةِ الِاسْتِيلَاءِ ولا تصح في إمارة الاستكفاء، ليقع الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْتَوْلِي وَوَزِيرِهِ فِي النَّظَرِ، لِأَنَّ نَظَرَ الْوَزِيرِ مَقْصُورٌ عَلَى الْمَعْهُودِ، وَلِلْمُسْتَوْلِي أَنْ يَنْظُرَ فِي النَّادِرِ وَالْمَعْهُودِ، وَإِمَارَةُ الِاسْتِكْفَاءِ مَقْصُورَةٌ على النظر في الْمَعْهُودِ، فَلَمْ تَصِحَّ مَعَهَا وَزَارَةٌ تَشْتَمِلُ عَلَى مثلها من النظر في المعهود، لاشتباه حال الوزير والمستوزر.
1 / 38