وأما إمارة الصلاة في الجمع والأعياد والجنائز فالأمراء أخص بها من القضاة وقد قال: أحمد في رواية ابن القاسم "إذا حضر الأمير فهو أحق على ما فعل الحسين بن علي". فَإِنْ تَاخَمَتْ وِلَايَةُ هَذَا الْأَمِيرِ ثَغْرًا، لَمْ يَبْتَدِئَ جِهَادَ أَهْلِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْخَلِيفَةِ، وَكَانَ عليه دفعهم وحربهم إن هجموا عليه بغير إذن، لِأَنَّ دَفْعَهُمْ مِنْ حُقُوقِ الْحِمَايَةِ، وَمُقْتَضَى الذَّبِّ عَنْ الْحَرِيمِ. وَيُعْتَبَرُ فِي وِلَايَةِ هَذِهِ الْإِمَارَةِ الشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي وَزَارَةِ التَّنْفِيذِ، وَزِيَادَةُ شَرْطَيْنِ، هما: الإسلام، والحرية، لأجل ما تضمنتها من الولاية على الأمور الدينية التي لَا تَصِحُّ مَعَ الْكُفْرِ وَالرِّقِّ، وَلَا يُعْتَبَرُ فيها العمل والفقه، فإن كَانَ فَزِيَادَةُ فَضْلٍ. فَصَارَتْ شُرُوطُ الْإِمَارَةِ الْعَامَّةِ معتبرة بشرو وزارة التفويض، لاستوائهما في عموم النظر، وإن افترقا فِي خُصُوصِ الْعَمَلِ. وَشُرُوطُ الْإِمَارَةِ الْخَاصَّةِ تَقْصُرُ عَنْ شُرُوطِ الْإِمَارَةِ الْعَامَّةِ، بِشَرْطٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الْعِلْمُ، لِأَنَّ لِمَنْ عَمَّتْ إمَارَتُهُ أَنْ يَحْكُمَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِمَنْ خَصَّتْ إمَارَتُهُ.
وَلَيْسَ عَلَى أحد من هذين الأمرين مطالعة الخليفة بما أمضياه في عملهما على مقتضى إمارتهما إلا على وجه الاحتياط، فإن حدث غير معهود وقفاه على مطالعة الإمام، وعملا فيه برأيه. فإن خافا من اتساع الخرق - إن وقفاه - قاما بما يدفع الخصومة، حتى يرد عليهما أمر الْخَلِيفَةِ فِيمَا يَعْمَلَانِ بِهِ، لِأَنَّ رَأْيَ الْخَلِيفَةِ أمضى في الحوادث النازلة لإشرافه على عموم الأمور. فأما إمارة الاستيلاء التي تعقد على اضْطِرَارٍ فَهِيَ أَنْ يَسْتَوْلِيَ الْأَمِيرُ بِالْقُوَّةِ عَلَى بلاده يُقَلِّدُهُ الْخَلِيفَةُ إمَارَتَهَا، وَيُفَوِّضُ إلَيْهِ تَدْبِيرَهَا وَسِيَاسَتَهَا فيكون الأمير باستيلائه مستبدًا بالخليفة في تدبير السياسة، وتنفيذ الأحكام الدينية ليخرج عن الفساد إلى الصحة، وعن الْحَظْرِ إلَى الْإِبَاحَةِ. وَهَذَا وَإِنْ خَرَجَ عَنْ عرف التقليد المطلق، ففيه من حقظ القوانين الشرعية ما لا يجوز أن يترك فاسدا، فَجَازَ فِيهِ مَعَ الِاسْتِيلَاءِ وَالِاضْطِرَارِ مَا امْتَنَعَ في تقليد الاستكفاء والاختيار.
1 / 37