Minor
بسبب ضيق تجربتها رغم تفوقها من ناحية فن الصنعة على لورنس.
ولدينا معايير أخرى - بطبيعة الحال - منها مدى أصالة الكاتب وانطلاقه من إسار التقاليد الفنية التي انتهت إليه من أسلافه؛ أي مدى قدرته على أن يشق لنفسه طريقا جديدا قد يتبعه فيه الآخرون محاكين ومقلدين، وقد يضيفون إليه مبدعين خلاقين، ولكنه في كل حال سينسب إليه أولا وأخيرا مهما كثر أتباعه، ومنها مدى اتصال الكاتب بمجتمعه؛ أي مدى انتماء عمله للسياق البشري الذي يعيش فيه
Relevance ؛ ومن ثم أهمية هذا العمل للمجتمع الذي ينبثق منه؛ فهو ينبع منه وإن لم يصب فيه وحده! ويمكننا أن نضيف معايير أخرى؛ منها انتماء الكاتب للعصر الذي يعيش فيه وقدرته على تخطي حدود الزمان إلى المستقبل، وما إلى ذلك.
ولكننا في العالم العربي نقنع بمعيار واحد من هذه المعايير، ونركز عليه أشد التركيز؛ ألا وهو قدرة الكاتب على صناعة اسم له؛ أي على الشهرة التي قد يصل إليها عن طريق المعايير الأساسية أو الثانوية التي أشرت إليها، وقد يصل إليها نتيجة لظروف لم تتوافر لغيره، بل قد يصل إليها نتيجة منصب (يتيح له أن يجعل اسمه يلح على أسماع الناس) أو لقب (يفرض به سلطة أدبية أو علمية) وهو في أي الحالات ليس كبيرا إذا قيس بالمعايير السالفة!
فلنراجع تاريخنا القريب لنرى أن هذه المعايير صادقة، وأن من تسرب إلى طائفة الكبار في زمنه بسبب معايير زائفة قد طواه النسيان أو أصبح هامشا من هوامش التاريخ الأدبي، ولنتردد قليلا قبل أن نطلق على هذا أو ذاك لقب «الكاتب الكبير»!
غدا تبدأ الحياة
للشاعر الإنجليزي إدوارد ينج قصيدة يسخر فيها من التسويف الذي يدفع بعض الناس إلى انتظار الغد باعتبار أن الغد لا بد أن يكون بداية حياة جديدة. الواحد من هؤلاء يقول إنني لن أفعل كذا إلا إذا أعددت له اليوم عدته. فإذا مر اليوم وجاء الغد أصبح الغد هو اليوم. وعاش الإنسان دوما في انتظار غد لا يجيء أبدا.
وقد ألحت هذه القصيدة على ذهني عندما زار مصر مغترب ممن قضوا في أوروبا فترة طويلة، ثم سنحت له فرصة العمل في كندا ليكسب المزيد من المال. فقبلها راضيا شاكرا حظه السعيد. ثم زار مصر ليودع أخاه وأهله في بلدة إقليمية على شاطئ البحر المتوسط قبل الرحيل. والتقيت به في القاهرة ساعة أو بعض ساعة شكا لي فيها ما سوف يواجهه من هموم، فابنته الكبرى في الجامعة وهي لا تعرف من العربية إلا شذرات تعلمتها في المنزل (أو في مدرسة المغتربين). وابناه في المدرسة الإعدادية. وقد بدأ القلق يساوره على مستقبل هؤلاء الأبناء؛ فمن يا ترى سوف يتزوج ابنته إذا طالت غربته فأمعنت في الطول؟ وماذا يا ترى يكون مصير الأبناء؟
وعندما ذكرت له جادا أن مصر هي بلده، وهي أمه الرءوم. وأشرت إلى أملاكه التي تدر عليه دخلا كبيرا، وإلى عمله الذي ما زال يحتفظ به في إحدى الوزارات، مؤكدا أن الحياة في مصر يمكن أن تحقق له آماله؛ وجدته يبدأ حسبة غريبة مؤداها أنه وضع ترتيبا معينا لاستثمار مبلغ معين، وبناء عقار معين، وأن عليه أن يكسب مقدارا آخر من المال (محسوبا بآلاف الدولارات طبعا) حتى تستقيم له الأحوال، وينجح الترتيب؛ ولهذا فهو يؤجل الحياة في مصر حتى يستطيع تدبير هذا المبلغ وتكتمل له خطة النجاح.
صفحه نامشخص