قال: إني ما تعودت الشرب يا سيدي البارون.
قال: لا بأس في هذه المرة؛ لأني لا أستطيع أن أشرب وحدي.
فخجل فيلكس وشرب كأسه جرعة واحدة، أما البارون فإنه صبر إلى أن شرب فيلكس الكأس، فأدنى كأسه من فمه، ثم رمى بما فيه إلى الأرض مغضبا وهو يقول: تبا لهذا الخادم، فإنه ينسى الزجاجة مفتوحة، فيفسد الهواء الشراب، ثم أخذ زجاجة أخرى ففتحها وشرب منها، وقال لفيلكس بلهجة تكلف فيها الحنو: إنك ستتزوج باكيتا يا بني، وسأجعلك وإياها من أسعد الأزواج. فانقلب حقد فيلكس إلى حب، وجعل ينظر إلى البارون نظرات امتنان، وبعد أن شرب البارون كأسين قال له: هلم بنا الآن، فسنجد مركبة في الطريق.
وقد سار فيلكس في إثره، وكان الظلام دامسا والبرد قارصا، غير أنه كان يشعر بحر شديد، كأنه في أشد شهور الصيف، وبعد هنيهة توقف عن السير، فقال له البارون: ما بالك وقفت؟ قال: إني أشعر بصدري يلتهب. قال: ذلك لأنك لم تتعود شرب الخمور. ثم تأبط ذراعه، وسار به حتى لقي مركبة، فصعد وإياه، وأمر السائق أن يذهب بهما إلى «رصيف سلستين».
وكانت قوى فيلكس البدنية تنحط رويدا، ولكن قواه العقلية لم تتأثر من هذا الانحطاط، فقال للبارون: إذا كانت لم تذهب إلى فرساي، فلماذا قالت إنها ذاهبة إليها؟
أجاب : سأوضح لك الأمر يا بني، فأنا الذي أوعزت إليها بذلك؛ لأني خشيت أن يعترضها مدير جوقها، ويمنعها عن الاتفاق معنا، فذهبت بها إلى منزل أمي، حيث أنت ذاهب الآن.
فقال له بلهجة الحاسد: ألا تزال أمك في قيد الحياة؟
أجاب: نعم، وأنت؟
قال: إن أمي قد ماتت وأنا طفل.
قال: إذن أنت لا تثق بما يشيعون من أنك ابن كونت.
صفحه نامشخص